رمضان.. شهر العتق من النيران

ينبغي أن يكون حال المؤمن في رمضان في رقي واجتهاد يزيدان في العشر الأواخر - (تصوير: محمد أبو غوش)
ينبغي أن يكون حال المؤمن في رمضان في رقي واجتهاد يزيدان في العشر الأواخر - (تصوير: محمد أبو غوش)

يعد شهر رمضان فرصة من أفضل الفرص التي تأتي في العام حتى يختبر المؤمن إيمانه، ففي كل فريضةٍ من فرائض الإسلام امتحان لإيمان المسلم وعقله وإرادته، غيرَ أن الصيامَ أصعبها امتحاناً؛ لأن هذا الشهر يعد جامعا لمعاني التقوى، وفيه من الخيرات التي لا بد ان يغتنمها المؤمنون ما لا يوجد في غيره، ففي هذا الشهر تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران وتصفد الشياطين. قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الصِّيَامُ جُنَّةٌ" أي وقاية، ففي الصومِ وقايةٌ من المأثم، ووقايةٌ من الوقوع في عذاب الآخرة.اضافة اعلان
وينبغي لمن يرجو العتق في شهر رمضان من النار أن يأتي بأسباب توجب ذلك، وهي متيسرة في هذا الشهر، فقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان المؤمنين بقوله:" فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غناء بكم عنهما. فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله والاستغفار. وأما اللتان لا غناء لكم عنهما فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار". فهذه الخصال الأربعة المذكورة في هذا الحديث كل منها سبب للعتق والمغفرة.
فأما كلمة التوحيد فإنها تهدم الذنوب وتمحوها محواً، ولا تبقي ذنبا، وهي تعدل عتق الرقاب الذي يوجب العتق من النار. وأما كلمة الاستغفار فمن أعظم أسباب المغفرة، فإن الاستغفار دعاء بالمغفرة، ودعاء الصائم مستجاب في حال صيامه وعند فطره، وأنفع الاستغفار ما قُرن بالتوبة، فمن استغفر بلسانه وقلبه على المعصية معقود، وعزمه أن يرجع إلى المعاصي بعد الشهر ويعود، فصومه عليه مردود، وباب القبول عنه مسدود. وأما سؤال الجنة والاستعاذة من النار فمن أهم الدعاء الذي يتوجه به الانسان المؤمن الى الله سبحانه وتعالى في هذا الثلث الأخير المبارك من الشهر الفضيل.
ويلفت عضو الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين د.عامر القضاة إلى أن الجنة دار النعيم الخالد لمن أحسن العمل والسعي، والنار مقر العذاب الخالد لمن أساء العمل والسعي، والرحمن الرحيم سبحانه يحب عباده، ويفتح لهم كل مهرب من النار، تلهج ألسنة الصالحين من عباد الله إلى مولاها في كلّ وقت، تدعوه فيه أن ينقذها من نار وقودها الناس والحجارة، وأن يجيرهم من حرّها ولهيبها.
في رمضان كما في الحديث النبوي لله نفحات خاصة يكرم المؤمنين بها، ليس أقلها عتقاء من النار وَجَبَت لهم سعيرا ومصيرا، فيتجلى لهم الفضل والإنعام والإكرام، فتكون ليالي رمضان مهربا من النار. في كلّ ليلة لله عتقاء، فإذا ما كانت العشر الأواخر ودخلت ليلة القدر، كان من العتقاء بمثل ما كان في كلّ الشهر، وكذلك الليلة الأخيرة.
ومن أعظم ما ميّز الله به شهر رمضان المبارك؛ تصفيد الشياطين فيه، وإراحة الخلق من شرِّهم وضُرِّهم، وترك الفرصة متاحة لمن أسرف على نفسه بالذنوب أن يتوب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين".
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، و تغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم". ‌
لذلك كله يعد شهر رمضان فرصة عظيمة لكل مذنب، لكن مما يسيء لهذا الفضل العظيم في شهر رمضان، جرأة بعض الناس في انتهاك حرمة الشهر المبارك بارتكاب المعاصي والذنوب، بل إن بعضهم يتجرأ على ارتكاب الكبائر في نهار رمضان.
يقول القضاة: تتطاول الأعناق الصائمة في نهارها، وتبتهل الألسنة القائمة في ليلها أن تظفر بورود اسمها ضمن قائمة العتقاء. من أراد الدخول في قائمة التنافس فعليه صيام نهار رمضان إيمانا واحتسابا، وقيام ليله إيمانا واحتسابا، دعاء للرحمن، وصلة للأرحام، وقراءة وفهم وتطبيق للقرآن، ولاء لله، وبراء ممّا سواه.
وبعد حُسن العمل لزاماً على الراغبين في العتق من النيران حسن ظنّ بالرحيم الرحمن، الذي يقول: أنا عند ظنّ عبدي بي، فمن عاش عاش حسن الظن بالله، فإن مات أكرمه الله بالقبول والعتق من النار.
ويذهب استشاري الفقه الإسلامي د. مصطفى إسعيفان إلى أنّ حال المؤمن في هذا الشهر الكريم في رقي وعلو واجتهاد ويزداد ذلك بدخول العشر الأواخر.
وكان من هديه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إذا دخلت العشر الأواخر  من رمضان أن يشد مئزره وأن يحيي ليله  وأن يوقظ أهله ، وفي هذا فترة تبتل إلى الحق تبارك وتعالى وتخصيص العشر الأواخر من رمضان بمزيد من العبادة والطاعة.
ويضيف إسعيفان من لطائف هذا الشهر أنه كان صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله لتتفاعل الأسرة مع العشر الأواخر، ولم يكن يستأثر بالخير وحده، وفي هذا حث على التعاون في الخيرات، والأخذ بيد الأهل نحو الجنات، والوقاية من النيران، قال تعالى ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(6) ﴾ سورة التحريم. وقال تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(2)} سورة المائدة.