رمضان شهر المسابقة للخير

من أوجه المسابقة إلى الخير ، كثرة الذكر فبه تطمئن القلوب وتنشرح الصدور - (تصوير: ساهر قدارة)
من أوجه المسابقة إلى الخير ، كثرة الذكر فبه تطمئن القلوب وتنشرح الصدور - (تصوير: ساهر قدارة)

يعد شهر رمضان المبارك شهر المسارعة إلى الأعمال الصالحة، وقد قال تعالى:(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 133،134]. ومن أوجه المسابقة إلى الخير في هذا الشهر الفضيل، كثرة الذكر، فبه تطمئن القلوب، وتنشرح الصدور، وقد قال تعالى:"فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون ". وقال تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ".اضافة اعلان
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه. وعن معاذ رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني أحبك، فلا تدع دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وحسن عبادتك".
ومن أهم الأعمال الصالحة في هذا الشهر، النفقة في سبيل الله في كل وجوه البر، ولا تحتقرنَّ من المعروف شيئاً ولو قلّ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنَ الصَّدَقَةِ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ). وقال صلى الله عليه وسلم: (لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ) رواه مسلم. والمؤمن في ظلِّ صدقته يوم القيامة، ومَنْ أَحْسَنَ فإنما يُحْسِنُ إلى نفسه. وقد قال تعالى: "لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنَّة، والصدقةُ تُطْفِئُ الخطيئةَ كما يُطْفِئُ الماءُ النار، وصلاةُ الرجلِ في جوفِ الليل"، ثم تلا: "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِع"ِ [السجدة: 16].
فهنيئًا لمن تذكَّر الفقراء والمساكين، والأرامل واليتامى والمحتاجين، فلم تَطِبْ نفسه أن يشبع وهم جائعون، وقد قال تعالى:"وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُون".
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.
ومن أوجه الخير أيضا العفو عن الناس، وقد قال تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله) [ الشورى: 40 ]. وفي حديث أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ) رواه مسلم. ولما سُئلت عائشة عن خُلُقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: (لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا صَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ). وقد مدح الله سبحانه وتعالى الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ).
ومن أوجه المسابقة إلى الخيرات في هذا الشهر المبارك الإحسان بمعناه الجامع، وقد قال تعالى:"وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ". ومن ذلك الإحسان في العبادة، بالإخلاص فيها لله جل وعلا، لقوله تعالى "وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ"، فلن تنفعَ العبد صلواته، ولا قراءاته، ولا اجتهاداته إذا لم تكن النيَّة خالصةً لوجه الله تعالى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ".
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ). ومن معاني الإحسان المراقبة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ) رواه مسلم. 
ومن أوجه الخير أيضا بر الوالدين، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ: يَا رسولَ الله، أيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ تَعَالَى؟ قَالَ: " الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا " قُلْتُ: ثُمَّ أيُّ؟ قَالَ: " بِرُّ الوَالِدَيْنِ " قلتُ: ثُمَّ أيُّ؟ قَالَ: "الجِهَادُ في سَبيلِ اللهِ".
واحرص على أن تحفظَ لسانَكَ من الوقوع في أيِّ مُسْلِم، واحذر أن تتساهلَ ـ ولو في كلمة ـ، فربما حَبِطَ عملُكُ وأنت لا تشعر، واستحضر دائمًا أن الله يَسْمَعُك، فلا يسمعْ منك إلا ما يحب، وتذكَّر قوله تعالى: "مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ".
عن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا إِلَى النَّارِ أبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ".