رهان إزالة الغموض

يديعوت أحرونوت أليكس فيشمان تبشر نهاية عهد أيزينكوت وبداية عهد الانتخابات بتحول حادة في السياسة الإسرائيلية تجاه الجبهة الشمالية. صحيح ان أحدا لم يبذل في ذلك مجهودا فكريا كبيرا ولم تجر مداولات معمقة في الموضوع، ولكن فجأة، بتلويحة سيف، تنازلت إسرائيل عن سياسة الغموض في كل ما يتعلق بنشاطها العسكري تجاه الإيرانيين وحزب الله في سورية. لهذا التنازل معنى واحد: رفع احتمال التصعيد في الجبهة الشمالية، حتى وضع المواجهة الشاملة. ربما يريد أحد عندنا ذلك. أجندة أمنية عدوانية تجاه سورية وإيران كفيلة بان تكون ورقة مظفرة في الطريق إلى صندوق الاقتراع. عندما يعلن رئيس الأركان مسؤوليته عن آلاف الهجمات التي نفذت في سورية – فهذه بصمات يريد أن يتركها وراءه في الوعي: أدرت حربا ناجحة، احبطت المخططات الإيرانية، صحيح أن هذا الكشف يذيب سياسة الغموض، ولكنه ما يزال بمثابة اعتراف عمومي لا يلزم الطرف الثاني برد فوري. ولكن نتنياهو في المقابل، أعلن أمس المسؤولية عن هجوم محدد نفذ في المطار في دمشق. الفرق بين الإعلانين شاسع إذ إنه إذا كان في ذاك الهجوم في دمشق قتلى للإيرانيين وللسوريين، فإن إعلان رئيس الوزراء المسؤولية، كان سيستدعي ردا عسكريا باحتمالية عالية. قبل نحو سنة، عندما أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عن قتل الإيرانيين في مطار T4، شعر الإيرانيون بواجب الرد بالصواريخ نحو هضبة الجولان. وكانت إسرائيل أعلنت في حينه مسؤوليتها لأنه في اثناء الهجوم اسقطت طائرة لسلاح الجو. وبالمقابل، في حالات أخرى هاجمت فيها طائرات سلاح الجو أهدافا إيرانية، اتخذت إسرائيل جانب الحذر ولم تعلن المسؤولية كي لا تلزم الطرف الآخر بالرد. في اللحظة التي تسمح فيها إسرائيل للعدو للنزول من "مجال النفي" الذي لديه، فإنها في واقع الأمر تتخلى عن عقيدة الحرب ما بين الحروب. أحد المبادئ المركزية للحرب ما بين الحروب هو ضرب العدو دون اعطائه مبررا للحرب. اما إذا كانت الحرب ما بين الحروب تتدهور إلى حرب استنزاف أو إلى حرب شاملة، فإن العقيدة تكون قد انهارت. إحدى الأدوات المركزية في هذه العقيدة هي الغموض. لا نعلن مسؤولية. وبالتالي في اللحظة التي مزق فيها أيزينكوت ونتنياهو الغموض، فإنهما يكونا قد مسا بالردع. وذلك لأنه عندما تمس انت بالعدو دون ان تعلن عن ذلك، فإنه مردوع وحذر على اي حال لأنه ليس لديه اليوم قدرة على ان يرد بشكل ناجع. ولكن عندما تركض لان تروي للرفاق، فإنك تلزم العدو بعمل شيء ما، اذ هو ايضا له رأي عام في البيت. هجوم آخر وإعلان آخر للمسؤولية الإسرائيلية، وإذا بأحد لا يعرف متى سيتفجر كل هذا. يحتمل الا يكون مكانا للغموض بعد اليوم، إذ أن إسرائيل على أي حال تبلغ الروس بكل هجوم. اما حاليا، رغم كل الغضب على المس بمصالح المرعي السوري، فإن الروس لم ينفذوا أي عمل بالقوة لوقف إسرائيل. وهكذا فإن التنازل الإسرائيلي عن سياسة الغموض يدفعهم هم ايضا إلى الزاوية.اضافة اعلان