رهان فاشل على كسر إرادة الشعب الفلسطيني

فيما تنشغل المنطقة والعالم بالتوقعات و"التحزير" بموعد طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب لخطته الموسومة بـ"صفقة القرن" لتسوية القضية الفلسطينية، وما هي ملامحها ومحاورها ومدى توافقها مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، يقفز ترامب وادارته في ظل الرفض الفلسطيني الحازم حتى الآن للتعاطي مع ادارته، الى تنفيذ خطواته العدائية والمغتصبة لما تبقى من حقوق فلسطينية، على أرض الواقع، وبتماهي كامل مع اجندة اليمين الصهيوني ونتنياهو. اضافة اعلان
المتابع لهذه القضية، يلحظ ان الاندفاع الأميركي لطرح ما يسميه ترامب ومستشاروه صفقة الحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قد خفت او تراجع من مرحلة التسريع والالحاح الى مرحلة التاجيل والتريث بطرح الصفقة، لاسباب لم تعد خافية، أبرزها استشعار الادارة الأميركية حجم وصلابة الرفض الفلسطيني، شعبيا ورسميا، للقبول بالتنازل عن كل الحقوق الوطنية التي تقرها الشرعية والدولية، ويجمع عليها المجتمع الدولي، باستثناء ادارة ترامب التي دشنت بقرارها العدواني حيال القدس مرحلة جديدة من الإنقياد الأميركي ليس لأسرائيل بل لأقصى يمين هذا الكيان.
كما أن من اسباب التاجيل والتريث بطرح الصفقة الحلول والتصورات الأميركية للملفات الرئيسية للحل، التي تعد تصفوية لحقوق الشعب الفلسطيني، وبما يتعارض مع الشرعية الدولية وقراراتها، وهو ما يصعب تسويقه دوليا، مع الاوروبيين والروس والصينيين وغيرهم، إلا إن قبل الشعب الفلسطيني بما يعرض عليه. من هنا بدأ العمل الاستراتيجي للادارة الاميركية على محاصرة الشعب الفلسطيني ومحاولة تفكيك اهم الملفات الاساسية، فبعد القدس جاء الدور وسريعا على ملف اللاجئين.
من تقليص خطير للدعم الأميركي لموازنة "الأونروا" وادخالها بنفق مظلم من الازمة الوجودية الى خفض أكثر من 200 مليون دولار من المساعدات المقرة مسبقا للسلطة الفلسطينية، إلى ما يتسرب من اخبار ومعلومات عن عزم ادارة ترامب إعلان موقف اميركي جديد تجاه تعريف اللاجئ  الفلسطيني، وبما يلغي المبدأ الانساني والدولي المعتمد بتوريث وضع اللجوء، وحصره في الحالة الفلسطينية بمن عاش في فلسطين المحتلة العام 48 قبل سنة الاحتلال واقامة الكيان الصهيوني، ما يفقد معظم اللاجئين مثل هذه الصفة ويحاول نزع حقوقها بالعودة لوطنها، ويبقي الحق فقط لنحو نصف مليون فلسطيني ممن تبقى من كبار السن، حيث سيتناقص العدد عاما بعد اخر وفق ما يخططون!  
جعبة الحاوي الأميركي المتصهين الذي تمثله ادارة ترامب لن تنتهي بمثل هذه السياسات والقرارات العدائية للحقوق الفلسطينية وللشرعية الدولية، ففي ظل الواقع العربي والإسلامي المزري ستكون الساحة مفتوحة للادارة الأميركية وحكومة الاحتلال للتقدم لقضم المزيد من الحقوق، والتوسع بالاستيطان والجرائم بحق الشعب الفلسطيني، والخنق الاقتصادي والمعيشي له، تحديدا في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة الذي يعيش ما هو أسوأ من الاحتلال على الارض، وذلك بهدف كسر ارادة الشعب الفلسطيني وجره الى القبول بفتات الحقوق الوطنية والسياسية مقابل انفراج معيشي واقتصادي مزعوم!
كل ما سبق لا يعني ان ثمة قدرا أميركيا محتوما سينزل على راس الشعب الفلسطيني ويكسر ارادته ويغتصب توقيعه على صفقة عار، رغم كل ما هو متوقع من ضغوط وحرب سياسية واقتصادية، فالشعب الفلسطيني اختبر عبر مسيرته الوطنية كل اصناف الجرائم والحروب والسياسات والاجراءات العدوانية، وقدم مئات الاف الشهداء والمصابين والاسرى وتحمل التشرد والمعاناة اليومية والحياتية، والتي لم تكسر كلها ارادته ولا دفعته للتفريط بحقوق الوطنية، وواهم من يعتقد أن المزيد من المعاناة والسياسات العدوانية يمكن ان تفرض على هذا الشعب التنازل والتوقيع على صفقة لا تلبي أبسط حقوقه.