رواد التنمية والمشاركة مع المجتمعات

كنت قد كتبت في "الغد" (18 حزيران (يونيو) 2012) عن تجربة "رواد التنمية" في جبل النظيف، لأجل بناء شراكة اجتماعية اقتصادية بين المجتمعات والقطاع الخاص. وكتبت أيضا عن مبادرة "ذكرى" للمشاركة بين أهل عمان وبلدة غور المزرعة (13 تموز (يوليو) 2012). وأقصد بهذه الإشارة تجنب التكرار، وتبرير النقص المتعمد في مقال اليوم عن فرص بناء مشاركة اقتصادية واجتماعية، بعضها يعود بالربح والفائدة على الطرفين (المجتمعات أو الأفراد والشركات)، وبعضها الآخر ضمن المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص.اضافة اعلان
اليوم بعد سنتين، يبدو ثمة حاجة لمواجهة أنفسنا بسؤالين: ما دور المجتمعات ومسؤولياتها في المشاركة، وما التحديات المتعلقة بالمجتمعات نفسها؟ ولماذا لا تتشكل مئات المبادرات؛ لماذا لا تكون هناك مبادرة لكل شركة وبنسبة من أرباحها، ولماذا لا توجد مبادرة لكل جمعية أو مؤسسة طوعية؟
لدينا عدد كبير من الشركات الكبيرة والمتوسطة التي تظهر تقاريرها السنوية أنها تحقق أرباحا، ولدينا آلاف الجمعيات التطوعية المسجلة، وهناك عدد كبير من الأغنياء في البلد! ولكن يبدو أن لدينا أزمة كبيرة في أنفسنا وفي المجتمعات؛ غياب المبادرة الفردية والمجتمعية الذاتية، وشعور المجتمعات بأنها جهة تتلقى المساعدات، وغياب خريطة الإدراك والمسؤولية في الأولويات والاحتياجات.
ما الذي يجب أن تفعله المجتمعات بنفسها؟ ثمة مجالات لا يمكن لجهة أن تساعد المجتمعات فيها؛ لا يساعدنا فيها غير أنفسنا! لكن ثمة تصورات خرافية للمجتمعات والأحياء والطبقات عن نفسها وعن غيرها، وشعور غير صحيح بالظلم في مجالات وقضايا. وفي المقابل، ثمة غياب للشعور بالظلم والنقص في الأولويات والاحتياجات. باختصار، تحتاج المجتمعات أن تعرف حدود ولايتها ومسؤوليتها ومشاركتها مع الحكومة والقطاع الخاص! وأن تجيب نفسها بوضوح عن دورها، ثم دور الدولة ودور القطاع الخاص.
وربما يكون تعميم المبادرات وانتشارها لا ينشئ فقط تعميما للفائدة والمشاركة، فالأهم من ذلك ما يمكن أن ينشئه زخم المبادرات من بيئة اجتماعية ثقافية جديدة، ترى الإلهام وأساس المشاركة في الحياة الكريمة والمشاركة، ويكون لدينا في ذلك قيادات اجتماعية جديدة قائمة على الخدمة العامة. ويبدو لي أنه يجب الوضوح والصراحة في هذه المسألة؛ إذ لا يمكن للتنمية أن تستوي على ساقها من غير قيادات اجتماعية جديدة تلهمها التنمية، وتجد مصالحها أيضا وتطلعاتها في هذه التنمية، ما يعني بالضرورة انحسار القيادات والنخب والجماعات التي لا تتشكل حول الخدمة والتنمية.
نتحدث عن صراع اجتماعي سلمي (يحب أن يظل سلميا) بين القيادات والطبقات، يحكمه ببساطة سؤال الجدوى والمعنى للقيادات الاجتماعية القائمة في العمل العام والبلديات والهيئات التطوعية والمؤسسات الرسمية الخدماتية والنواب والنقابات.. وفي اللحظة التي تنسحب القيادات الاجتماعية الواعدة والمنافسة، يتحول الصراع عن مساره السلمي!