روايال معنى آخر للسياسة

 السيدة الفرنسية سيجولين روايال، مرشحة الحزب الاشتراكي الفرنسي لرئاسة الجمهورية، ربما لن تدخل قصر الاليزيه كرئيسة حسب معطيات الجولة الأولى من الانتخابات التي انتهت الأسبوع الماضي، وحسب طبيعة التحالفات السياسية الفرنسية السائدة اليوم، وبذلك لن يخسر الفرنسيون وحدهم اكبر فرصة لدخول أول سيدة فرنسية لأعلى سلم السلطة في هذه الدولة العريقة في السياسة والثقافة والحضارة، وفي هذه اللحظة التاريخية التي تشعر فيها فرنسا كم هي بأمس الحاجة لحيوية وطاقة جديدة لإستعادة مكانتها في العالم الجديد.

اضافة اعلان

العالم سيكون الخاسر الكبير من هزيمة روايال، لان وصولها للسلطة في دولة بحجم فرنسا يحمل بدرجة الأولى معنى آخر للسياسة، ومعنى آخر للديمقراطية في لحظتها الراهنة، ومعنى آخر للسياسة الدولية في مرحلة يزداد فيها غلواء المتطرفين ليس في جنوب العالم وفي الجزء المهمش منه والمكوي بنار العلاقات الدولية الظالمة، بل التطرف الذي يقود الإمبراطوريات الجديدة.

السيدة روايال في خطابها السياسي البسيط تجاوزت أدبيات الحزب الاشتراكي الفرنسي؛ فهي أكثر فهما لمقولات النظام الدولي الراهن بشكل موضوعي، حيث تفرق بين ان تكون مقولات صراع حضارات استراتيجية للنظام الدولي الراهن أي خطة عمل، وبين ان تكون تلك المقولات قدرا وحقيقة بل وحتمية، وهي بذلك أكثر احتراما للثقافة العربية والحضارة الإسلامية.

وبالنسبة للقضايا العربية تعد روايال أكثر تفهما واعتدلا في مواقفها من ساركوزي الأكثر حظا، وتحديدا لقضية الحقوق الوطنية للفلسطينيين، وكذلك الأمر في موضوعات الأقليات الإسلامية والعربية في فرنسا، بينما يعني ساركوزي رئيسا لفرنسا احتمالات واسعة لتوسيع قاعدة المحاربين خلف ستارة صراع الحضارات، وانتصارا غير معلن لمصالح إسرائيل، فهو خلف قصة رفض الحجاب في المدارس الفرنسية العامة، ورفض الاعتذار عن ماضي فرنسا الاستعماري في الجزائر في أكثر من مرة، كما يعد من ابعد النخب الفرنسية الجديدة عن الطبقات الاجتماعية الواسعة، ويسعى لتحديث فرنسا، ويعدها بالتخلص من الأزمة الاقتصادية على حساب تلك الطبقات.

بينما يتم التركيز على أهمية ما ستؤول اليه انتخابات الرئاسة الفرنسية وكيف ستنعكس على السياسة الدولية في هذه المرحلة، تحمل هذه الانتخابات خطابات سياسية مفارقة على الساحة الفرنسية نفسها بعد شهور قليلة من سلساة أزمات اجتماعية واقتصادية تم العبير عنها سياسيا بتجدد حركات الطلاب والأقليات وفي حالة شهدت واحدة من أقسى لحظات التصعيد، حيث شهدت فرنسا أنماطا متعددة لتحالف الطلبة والعمال منذ ثورة عام 1968 حينما عبر جيل بأكمله عن رغبته بالتغيير في الثقافة والتعليم والحياة وعن ضيقه من ترف الحياة الثقافية وجدل الاكاديميين الذي لم ينزل من أبراجه العاجية إلا على هدير غضب الطلاب.

وفي عام 1995 اجبر رئيس الوزراء (الآن جوبيه) على الاستقالة اثر الحركة الشعبية التي قادها الطلاب والعمال، وفي عام 2003 حمل العمال والطلاب لواء المبادرة ضد قوانين التقاعد، ومرة أخرى اجبر الشارع الفرنسي رئيس الوزراء (رافاران) على الاستقالة. ومن الواضح في هذه الانتخابات شدة الاستقطاب السياسي والاجتماعي والذي ينعكس في حجم الإقبال على المشاركة الانتخابية في الجولة الأولى التي وصلت الى 80%، الأمر الذي يعكس حجم اهتمام الفرنسيين ورغبتهم في حسم أسئلة مصيرية حول مستقبل فرنسا، بين الحاجة الى اقتصاد جديد والاقتراب أكثر من الولايات المتحدة حيث بقيت فرنسا خلال السنوات الماضية الأبعد عن أعاصير العولمة، والأكثر تمسكا بدور الدولة في الرعاية والحماية الاقتصادية والاجتماعية، وبين الرغبة بحياة وثقافة مفارقة ووفاء أكثر للتقاليد الفرنسية العريقة.

ثمة ملاحظة أخرى على مستوى السياسة الدولية، ففي الوقت الذي يشهد العالم توالي ظهور النظم السياسية الأكثر قربا لنبض شعوبها، شهدت السنوات الأخيرة ميلا أوروبيا لتصعيد نخب أكثر يمينية، فالعالم في هذا الوقت بأمس الحاجة الى رموز في السياسة والاقتصاد والثقافة تبقي مساحة من الطمأنينة والأمل.

سيجولين روايال سيدة فرنسية مثقفة وجميلة مشبعة بأحلام التغيير والثقافة الجديدة والطبقات الاجتماعية الواسعة، يحتاجها العالم المملوء بالوحشة والقبح، ولدت في دكار عاصمة السنغال على بعد مئات الأمتار من الشاطئ المؤدي لجزيرة العبيد، ولدت لأسرة مكونة من ثمانية افراد تعرف معنى الفقر والطبقات المسحوقة والناس الذين تطحنهم الحياة ويصنعون التاريخ، لا تملك هذه السيدة شهرة خاصة ولا خبرات متنوعة ولا ثروة كبيرة ولا سيرة تعج بالمناصب والنياشين يحتاجها العالم بالفعل؛ صلوا من اجلها!

[email protected]