رواية ترصد القمع في أعقاب "الثورة الخمينية" تفوز بجائزة "غونكور"

عمان-الغد- فازت الكاتبة الإيرانية مريم مجيدي بالجائزة الأدبية الفرنسية "غونكور الرواية الأولى" التي تمنحها  أكاديمية الغونكور المرموقة لتشجيع الكتاب الشباب في بداية مشوارهم الإبداعي، وهي مختلفة عن الجائزة الشهيرة التي تحمل اسم تلك المؤسسة وتمنح لكبار الكتاب.اضافة اعلان
ونالت مجيدي (37 عاما)، بحسب (الجزيرة. نت)، التي تقيم بفرنسا منذ عقود عدة، تلك الجائزة عن روايتها "ماركس والدمية" الصادرة عن دار النشر نوفيل أتيلا وتحكي فيها طفولتها في إيران والمنفى في فرنسا وكيف تعلمت لغة موليير.
ويحيل عنوان الرواية إلى كتب المفكر الألماني كارل ماركس وإلى قناعات والديها الاشتراكية التي تعرضا بسببها للملاحقة في أعقاب اندلاع الثورة الإسلامية في إيران العام 1979 فاضطرا لمغادرة البلاد بعد سنوات قليلة.
وحصلت الكاتبة مجيدي على سبعة أصوات من أصل عشرة، هم عدد أعضاء الأكاديمية التي يرأسها الإعلامي الشهير بيرنار بيفو وتضم في عضويتها الكاتب المغربي الطاهر بنجلون الذي حصل على جائزة غونكور العام 1987.
وقبل عامين فاز الروائي والصحفي الجزائري كمال داود بجائزة "غونكور الرواية الأولى" عن روايته "مورسو.. تحقيق مضاد" بعدما كاد يظفر عام 2014 بجائزة "غونكور" الشهيرة التي ذهبت في آخر لحظة إلى الروائية الفرنسية ليدي سلفاير عن روايتها "لا بكاء".
وتستلهم رواية داود رواية "الغريب" لألبير كامو الذي قتل فيها بطله شخصا جزائريا لم يزد على وصفه بـ"العربي"، ليسرد "التحقيق المضاد" حكاية القتل على لسان أخي الضحية ويتطرق بذلك إلى كثير من القضايا المتعلقة بالاستعمار الفرنسي والسياسة الجزائرية الداخلية ونقد ظواهر اجتماعية.
وفي مطلع العام الحالي، كتبت اللبنانية أنديرا مطر في القبس الكويتية حول الرواية بعنوان "الإيرانية مريم مجيدي تكتب بالفرنسية: لغة المنفى لاستعادة رعب الماضي وآلامه".
وبينت مطر أن "ماركس والدمية" هي أولى روايات الكاتبة الإيرانية الأصل مريم مجيدي الصادرة مطلع هذا العام باللغة الفرنسية. والرواية سيرة ذاتية لمجيدي وعائلتها التي تعرضت للقمع والاضطهاد، ولجأت إلى باريس في أعقاب الثورة الخمينية، وهي مكتوبة بلغة مؤثرة ورقيقة وشاعرية أرادتها الراوية محاولة وصل بين بلدين (ايران وفرنسا)، وبين لغتين، اللغة الأم ولغة المنفى.
واستعرضت الكاتبة بعض المفاصل من حياة الروائية الإيرانية، مشيرة إلى أن مريم مجيدي ولدت في إيران بالتزامن مع اندلاع الثورة الخمينية الإسلامية، والداها شيوعيان وناشطان سياسيان، تعرضا مع رفاقهما في "النضال" إلى الملاحقة والقمع على يد "الحرس الثوري". وهذا ما دفعهما إلى المنفى هربا من الموت. في منزلها الطفولي شاهدت مريم وسمعت كل ما يدور حولها وما كان يفوق خيال الطفلة. ومن عشرات القصص، المؤلمة في معظمها، والمعششة في خبايا الذاكرة، نسجت مريم مجيدي خيوط روايتها الأولى.
وتضيف مطر "بخفة مذهلة تنقلنا رواية مجيدي بين إيران وفرنسا، تزاوج بين السيرة الذاتية والخيال، بين اللهو والجدية، غير أن وقعها شاق ومضنٍ كالذاكرة حين تستيقظ في غير أوانها. ذكريات تسردها الكاتبة أحيانا بطريقة فوضوية ومن دون اتساق: مقتطفات من محادثاتها مع الأقارب، حادثة قفز أمها الحامل في شهرها السابع من نافذة جامعة طهران هرباً من الشرطة في بداية الثورة الإسلامية، قصة اخفاء والديها منشوراتهما الحزبية داخل حفاضات ابنتهما، نضال رفاق أهلها المعتقلين والمطاردين، كيفية تعلّم عمها اللغة الفرنسية في سجن إيفين "مقبرة المعارضة الإيرانية"، أخيرا، لجوء الوالدين الى دفن كتب ماركس وانجلز ولينين وغيرهم، في فناء منزلهم إلى جانب ألعاب الطفلة مريم ودميتها المفضلة، قبل لجوئهم الى باريس".
وتبين أنه من هذه القصص مجتمعة صنعت مريم مجيدي روايتها الأولى. وتستهل مروياتها بعبارة "ذات مرة"، في محاولة منها للبقاء على مسافة من تلك الفتاة الصغيرة، التي اختبرت في سن مبكرة تجربة الاضطهاد السياسي ومن بعده المنفى. من أجواء الرواية نستشف ثلاث ولادات للراوية: الأولى في طهران العام 1980؛ الثانية في باريس بعد ست سنوات والثالثة في العام 2003، بعد عودتها إلى إيران، ومصالحتها مع اللغة الفارسية.
وتؤكد مطر أن "اللغة تحضر كعنصر رئيسي في هذه الرواية. فالطفلة ابنة الستة أعوام تخلت عن لغتها الفارسية، تحضر من خلال الجدة وبعض أبيات عمر الخيام، وانكبت على تعلم الفرنسية لتستعيد بالكتابة كل ما تركته هناك في إيران. لم يحدث الأمر تلقائيا وبانسيابية إذ إن العائلة فور وصولها إلى باريس شعرت بالتوهان، والتمزق بين رغبتها في إتقان الفرنسية وبين الاحتفاظ بلغتها الأم. هذا التوهان هو ما باعد واحدهم عن الآخر. أحد أجمل مقاطع الرواية هو ذلك الذي تصف فيه مجيدي العزلة التي يخلقها المنفى داخل العائلة نفسها".
وتشير مطر إلى أن الصحافة الفرنسية احتفت بالرواية وتحدثت عن فن سرد "الحقيقة" وعن "لغة المنفى" وعن الكتابة كـ "ولادة جديدة". وتضيف "لكن الرواية تستمد جمالها ومتانتها من تقاطع ذكريات الطفولة وسردها اللاحق، من تشابك الانفعالات، من الخوف والألم الذي عاشه الكثير في إيران في تلك الحقبة، من نوبات الاكتئاب وليالي الأرق والحنين إلى مذاقات وأحاسيس مفقودة في فرنسا، من تداخل الأشكال والأصوات: الأب، الجدة، الحفيدة، وفي وقت لاحق الأم، التي حوّلها القمع وقسوة المنفى إلى بكماء. لكن صوت الأم، على ندرة حضوره، يبدو مصدراً للبحث عن صوتها هي. كل هذه التشابكات تتردد أصداء لتعقيدات المنفى ولإزدواجية الهوية".