روبرت ساتلوف: الدعاية المضللة

الدعاية لم تعد على طريقة جوبلز في الإعلام النازي "اكذب اكذب يصدقك الناس"، فالتنوع الهائل في وسائل الإعلام وكسر الاحتكار الغربي لها يجعل الناس قادرين على التفريق بين الدعاية الكاذبة والإعلام الصادق، والأهم الحقائق المشاهدة أمام أعينهم تكشف الأكاذيب التي يراد لها تصديقها. الأميركيون طوروا أساليب الدعاية بشكل يحترم ذكاء القارئ والمشاهد ويواكب تنوع وسائل الإعلام وثراءها، التطوير الأبرز من خلال استخدام مراكز التفكير، بمسمياتها العلمية وحاملي الدرجات العلمية فيها للترويج للأفكار باعتبارهم خبراء.

اضافة اعلان

ربما يكون من أبرز أولئك روبرت ساتلوف، مدير مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدني، فالاسم الكبير ليس أكثر من تمويه لحقيقة المركز باعتباره أداة دعاية للأيديولوجيا الصهيوينة المتطرفة. وليس المرء بحاجة لقراءة ما يصدره المركز من "دراسات" ليعرف مدى تطرفه، تكفي قراءة مقال "سقوط نظرية أحجار الدمينو" فالمقال لولا أنه معنون باسم الخبير ساتلوف لحسبته مقالا للحملة الانتخابية المبكرة لنتنياهو.

باختصار يرفض ساتلوف نظرية الربط بين قضايا المنطقة التي تبناها تقرير بيكر– هاملتون، ويعتبر أن البلدان العربية غير معنية إلا بنفسها. مستشهدا بما جرى في العراق وفي فلسطين وفي لبنان. رفضه يقوم على تجاهل المجتمع والإنسان العربيين والمسلمين  ويتعامل مع الدولة العربية باعتبارها العنصر الوحيد الفاعل. وهو بإلغاء حقيقة وجود بشر ومجتمعات لا يتطابقون مع دولهم تماما لا يعبر عن احتقار لهم فحسب، وإنما يسوق عنوة النظرية الإسرائيلية القائمة على الفصل لا الربط، فثمة مشاكل بين الإسرائيليين والسكان الفلسطينيين تحل ثنائيا ولا داعي لتدخل العالم أو الدول العربية في هذا النزاع.

المقال عنوانه الحقيقي إياكم والضغط على إسرائيل، فهي غير مسؤولة عن أي مشكلة خارج حدودها. مع أن الحقيقة التي يعايشها أبناء المنطقة أن إسرائيل مسؤولة بشكل مباشر وغير مباشر عن معظم المصائب التي حلت بهم. لذلك كل من أراد أن يحقق زعامة في المنطقة يقول إنه يريد تحرير فلسطين؛ يشترك في ذلك عبدالناصر والخميني وصدام حسين وأسامة بن لادن وخامنئي. والأهم من ذلك أن العالم الإسلامي بما فيه من انقسامات سياسية ومذهبية مجمع على قضية تحرير فلسطين. وهو إلى هذه اللحظة سيصفق لكل من يطلق رصاصة على إسرائيل. العالم الإسلامي مربوط مع بعضه مهما قيل عن انقسامات حقيقية أو مفتعلة.

يعلم ساتلوف أن العالم الإسلامي وقف مع حزب الله في مواجهته مع إسرائيل تماما كما يقف مع المقاومة العراقية في مواجهتها للأميركيين. وعندما نقول العالم الإسلامي لا نقصد الدول التي يتحدث عنها ساتلوف، فتلك الدول لها حسابات مختلفة أبرزها الخشية من العصا الأميركية الغليظة التي أسقطت نظامين في غضون الولاية الأولى للرئيس الأميركي بوش. ويعلم ساتلوف أن المقاومة في العراق، التي لا تجد بلدا في العالم يعترف بها ما كانت لتهزم الجيش الأميركي الأسطوري لولا التفاف المجتمعات العربية والإسلامية حولها. ليس بالمشاعر والأموال فقط وإنما بالتضحية بالأرواح.

ألم يقرأ ساتلوف ما كتبته الغارديان عن "تطوان مدينة الانتحاريين؟" فتلك المدينة في الطرف الأقصى الغربي يفجر العديد من أبنائها أنفسهم في العراق. سمه إرهابا، إن شئت، لكنه دليل قاطع على الربط بين قضايا المنطقة. الذي أحبط مشروع أميركا في المنطقة هو إرادة الناس في العالم العربي والإسلامي التي تجاوزت إرادة أميركا وإرادة الدول القطرية. فالناس أمة واحدة مترابطة وقضاياهم واحدة، هذه الحقائق لا يثبتها اعتراف بيكر- هاملتون، ولا ينفيها انكار ساتلوف الذي قام هو ومركزه على فكرة الدعاية الإيديولوجية الفجة بعيدا عن الواقع وحقائقه.

[email protected]