روزاريو "سلة الخبز" ومفرخة اللاعبين الأرجنتينية

روزاريو "سلة الخبز" ومفرخة اللاعبين الأرجنتينية
روزاريو "سلة الخبز" ومفرخة اللاعبين الأرجنتينية

 

   روزاريو - "أسفل كل حجر في مدينة روزاريو الارجنتينية يوجد لاعب" مقولة تصف بدقة إقليم روزاريو وضواحيه والذي يوصف بأنه "سلة الخبز" الجوهرية للكرة الارجنتينية.

اضافة اعلان

   تماما كما حدث قبل 100 عام حيث اشتهرت الارجنتين بكونها "سلة الخبز" بالنسبة للعالم لغزارة إنتاجها من القمح فإنها تشتهر الآن إلى جانب البرازيل بأنها أكبر مصدر للاعبي كرة القدم إلى الخارج.. وتعد روزاريو المصنع الرئيسي لتفريخ هؤلاء اللاعبين.

   يكفي أن يقوم المرء بجولة في ضواحي روزاريو الذي يعد الاقليم الاكثر إنتاجا للقمح ويبعد نحو 300 كيلومتر عن العاصمة بوينس أيرس ليكتشف أن كرة القدم تجري في "عروق" المدينة، ويمكن للمرء أن يرى في كل ساعة من ساعات اليوم الاطفال والشباب يلعبون كرة القدم في الشوارع والاماكن المهجورة الكثيرة والحدائق أو متجهين بالقطار إلى أحد أندية مدينة روزاريو.

   لقد تعلم ليونيل ميسي آخر جواهر كرة القدم في العصر الحديث ركلاته الاولى للكرة في شوارع الحي الجنوبي لمدينة روزاريو، وصار اللاعب المحلي "18 عاما" نجما لفريق برشلونة الاسباني وأملا للجماهير الارجنتينة العريضة في نهائيات كأس العالم المقبلة.

   لكن ميسي ليس الوحيد الذي تخرج من شوارع هذه المدينة والجدل دائر حول عدد هؤلاء اللاعبين الذين عرفوا طريقهم إلى الشهرة من خلالها، ومن بين اللاعبين الـ58 الذين ضمهم المدرب الارجنتيني خوسيه بيكرمان لمنتخب بلاده خلال عام 2005 هناك نحو 20 في المائة منهم ولدوا في روزاريو، وإذا ما وضعنا في الحسبان هؤلاء اللاعبين الذين يأتون من ضواحيها سترتفع النسبة إلى 40 في المائة.

   ومن بين هؤلاء اللاعبين الذي ولدوا في هذا الاقليم أو نشأوا وترعرعوا فيه تبرز أسماء ماكسي رودريغيز وليونيل سكالوني وماورو روزاليس ولوسيانو فيغويروا ومارتن ديميكليز وخافيير ماشيرانو وليوناردو بونزيو وروبرتو آبوندانزييري وجميعهم على لائحة المرشحين للانضمام إلى المنتخب الارجنتيني الذي سيشارك في نهائيات كأس العالم المقبلة، ويقول جورج سولاري الذي قاد المنتخب السعودي في نهائيات كأس العالم في الولايات المتحدة في عام 1994: روزاريو هي عاصمة كرة القدم الارجنتينية.

   وسولاري هو مؤسس نادي "ريناتو سيساريني" للهواة الذي يشرف على تدريب اللاعبين الصغار على ملاعبه التي لا يقل عددها عن 52 ملعبا، وأضاف سولاري لوكالة الانباء الالمانية: أننا نحاول أن نجد ناديا آخر في العالم يملك هذا العدد من الملاعب.

   ومن بين هذه الملاعب تركت خمسة ملاعب طينية رطبة ليتعود الاطفال على اللعب على مثل هذه الاراضي وفي أجواء ممطرة للغاية. وإجمالا يتدرب 500 شاب وطفل في نادي ريناتو سيساريني، ويبقى السؤال مطروحا: كيف تتدبر روزاريو وضواحيها إنتاج المواهب الكروية بوفرة ؟

   يبدو أن الاسباب ترجع إلى توليفة من الصفات التي تتميز بها المدينة جغرافيا واقتصاديا وتاريخيا وديموغرافيا، ويتفق سولاري وجورج غريفا أحد أشهر مدربي فريق الشباب على أن السبب يرجع إلى حد ما إلى العدد الكبير من المسطحات الخالية التي تتنوع ما بين الشوارع أو المنشآت الرياضية الفاخرة جدا أو الاندية المختلفة التي توفرها روزاريو للاطفال والشباب لممارسة كرة القدم.

   وأشار غريفا وسولاري إلى أن مستوى التغذية الجيدة في غالبية المدن والقرى الواقعة في إقليم بامبا هيوميدا هي عنصر مهم آخر، وقال غريفا الذي خرج من تحت يده عندما كان مدربا لفريق نيوللز أولد بويز للشباب عددا من اللاعبين الدوليين أمثال أمريكا غاليكو وجورجي فالدانو وغابرييل باتيستوتا وآبل بالبو وروبرتو سينسيني: هناك مساحات شاغرة أرحب وأوسع عما يوجد في بوينس أيرس.

   وأوضح بابلو آلافارسيس أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الوطنية في بوينس أيرس: تعتمد طرق تغذية الاطفال الذين يولدون في ذلك الجزء من البلاد على تناول البروتين كاللحوم والحبوب وهذا أمر حاسم ومهم، لا يمكن أن تنتظر تحقيق إنجازات رياضية إذا ما عانى الاطفال من سوء التغذية.

   ويؤكد آلافارسيس أن التدفق الثابت من اللاعبين الذين يأتون من روزاريو والمناطق المحيطة بها له علاقة أيضا بنشأة جيل العاملين المحليين وتوفير وقت مناسب للراحة للطبقات المتوسطة وهو ما مثل تراثا للقوانين الاجتماعية التي وضعت في الاربعينيات عندما كانت الارجنتين في قمة تحولها إلى الصناعة، لقد كانت روزاريو دائما نموذجا حيا على تطبيق هذه السياسة مما يسمح بزيادة عدد الناس الذي يكرسون أنفسهم لممارسة كرة القدم في أوقات فراغهم.

   ويقطن روزاريو 1.2 مليون نسمة وتقع في وسط إقليم بامبا هيوميدا وتتنافس مع كوردوبا على نيل لقب أكبر ثاني مدينة في الارجنتين، ولدى روزاريو ثلاثة فرق من بينها اثنان عريقان هما روزاريو سنترال ونيوللز أولد بويز إلى جانب نادي تيرو فيدرال الذي صعد للدرجة الاولى مؤخرا.

   ويعتقد سولاري أن مشاركة فرق روزاريو ضمن دوري القمة لكرة القدم في الارجنتين في عام 1939 أي قبل 30 عاما من انطلاق الدوري الوطني الذي يضم أندية من كل أقاليم الارجنتين يأتي من بين الاسباب التي أدت إلى تأسيس "مصنع" اللاعبين البدائي، وقال سولاري الذي ينحدر هو نفسه من روزاريو وسبق له أن شارك مع منتخب بلاده في نهائيات كأس العالم في إنجلترا عام 1966: في الاربعينيات والخمسينيات كان لدى كل مدينة قريبة من هنا فريقان أو ثلاثة فرق قوية، ولأن اللاعبين ينجذبون للاضواء اللامعة في روزاريو فإنهم كانوا يلعبون أيام السبت في دوري الاقليم ثم يتوجهون أيام الاحد إلى المدينة ليكونوا ضمن بدلاء فريقي نيوللز أو سنترال.

   وعرض زميله خوسيه باسكوتيني أحد مدربي فرق الشباب في نادي روزاريو سنترال تفسيره حول هذه الظاهرة التي أشار إلى أنها جاءت بفضل المنافسات القوية التي تشهدها المنطقة إلى جانب المباريات التي لا حصر لها والتي تقام في دائرة يبلغ قطرها 200 كيلومتر فقط.

   ويوجد حاليا 700 فريق و12 ألف لاعب مسجلين في اتحاد روزاريو لكرة القدم، ومع توفر خامات كثيرة للاختيار دخل ناديا روزاريو سنترال ونيوللز في نوع من التنافس من أجل العمل على إلحاق لاعبيهم المنخرطين في مدارس التدريب الخاصة بهما بالفريق الاول.

   وعلى هذا الاساس يمكنك الحديث عن مدرسة روزاريو المتميزة مؤكدا على قيم محددة وبراعة فنية عالية المستوى، وساعدت أندية سنترال ونيوللز وريناتو سيساريني وأكاديمية جورج غريفا التي أنشئت حديثا على اكتشاف المواهب الكروية المحلية.

   وتمتلك أكاديمية جورج غريفا مجمعها الكروي في ضواحي المدينة حيث ينخرط 400 طفل وشاب تتراوح أعمارهم ما بين خمس سنوات و16 سنة في التدريبات تحت شعار "كل فرد يلعب.. كل فرد يتعلم.. كل فرد يفوز".

   وأوضح غريفا "وفوق كل ذلك نقدر أهمية المهارات الفنية والحالة المزاجية للاعبين إلى جانب السرعة".

   أما بالنسبة لسولاري الذي تخرج من مدرسته ريناتو سيساريني لاعبون أفذاذ مثل ماشيرانو الذي يلعب حاليا لفريق كورينثيانز البرازيلي وديميكيلز (بايرن ميونيخ الالماني) وابن عمه سنتياغو الذي سبق له اللعب مع ريال مدريد الاسباني ويلعب حاليا مع انتر ميلان الايطالي فإنه يعتبر أن الاولوية يجب أن تتمثل في أن يكون الطفل قادرا على السيطرة على الكرة، وقال: بالنسبة لنا من غير المجدي أن نحقق فوزا بمجرد "ركل" الكرة في الملعب.

   ولا يضم نادي ريناتو سيساريني الاطفال والشباب من هذا الاقليم وحسب وإنما أيضا من بوليفيا والمكسيك وإكوادور بعدما عقد اتفاقيات مع عدة أندية فيها لتدريب الناشئين في الارجنتين، وقال روم سانغوانو "12 عاما" وأحد لاعبي فريق أوكاس كويتو الاكوادوري: مستوى فرق الشباب هنا مختلف للغاية.

   وأوضح رييس انتيلو "14 عاما" والذي يلعب في فريق بلومينغ: لا يعطون أهمية كبيرة للتدريبات في بوليفيا أما هنا فكل شيء يسير بشكل احترافي.

   ويعد ميسي لاعب فريق برشلونة الاسباني والذي سبق له أن لعب في فريق نيوللز أولد بويز عندما كان يبلغ من العمر 12 عاما قبل أن يتألق في أسبانيا الشخص الذي يتمنى كثيرون من أبناء مدينته روزاريو أن يصبحوا مثله في عالم كرة القدم.

   وبعد أن اعتبره الكثيرون خليفة لمارادونا أبهر ميسي جماهير برشلونة في ملعب نوكامب وكل أوروبا بموهبته "المصنوعة" في روزاريو والمليئة باللمسات السحرية الدقيقة، ويبدو أن روزاريو لديها نسمة ما تداعب المكان وتسهل من عملية تطوير مستويات مواهب كرة القدم.