روسيا تواجه العقوبات الغربية وتواصل خطتها في القرم

مجموعة من مقاتلي الدفاع الذاتي في القرم في وسط سيمفروبول - (ا ف ب)
مجموعة من مقاتلي الدفاع الذاتي في القرم في وسط سيمفروبول - (ا ف ب)

عمّان - الغد - واجهت روسيا أمس العقوبات الغربية، وواصلت خطتها في القرم، بينما اعتبر خبراء روس أن الاتحاد الأوروبي سيكون المتأثر الأكبر من معاقبة موسكو التي اقتصادها 3 في المائة من حجم الناتج الإجمالي العالمي.اضافة اعلان
وأعلن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، عقوبات محددة الأهداف بحق مسؤولين روس وموالين للروس لتوجيه "رسالة قوية" إلى موسكو غداة الاستفتاء حول إلحاق القرم بروسيا.
وتشمل هذه العقوبات التي أعلن عنها بفارق دقائق في بروكسل وواشنطن، عددا محدودا من المسؤولين الروس والأوكرانيين ولا تطال مبدئيا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكنها تطال بشدة مقربين منه، على الأقل عقوبات الجانب الأميركي.
وقرر الرئيس الأميركي باراك اوباما فرض عقوبات على أحد عشر مسؤولا روسيا واوكرانيا بينهم الرئيس الاوكراني المعزول فيكتور يانوكوفيتش.
وبين المسؤولين المعرضين لتجميد أرصدة في الولايات المتحدة، هناك ديمتري روغوزين نائب رئيس الوزراء الروسي، ورئيسة مجلس الاتحاد (مجلس الشيوخ الروسي) فالنتينا ماتفينكو، واثنين من المستشارين المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين (فلاديسلاف سوركوف وسيرغي غلازييف) ونائبين في مجلس النواب (الدوما).
واوضح البيت الابيض ان تلك الاجراءات "توجه رسالة قوية إلى الحكومة الروسية مفادها ان انتهاك سيادة ووحدة أراضي اوكرانيا لها عواقب"، ويفترض ان يلقي الرئيس أوباما كلمة بشان اوكرانيا وان يدافع خلالها مبدئيا عن هذا الموقف الحازم.
من جانبهم، قرر وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي "عقوبات تتمثل في فرض قيود على تأشيرات السفر وتجميد أرصدة 21 مسؤولا اوكرانيا وروسيا"، وفق وزير الخارجية الليتواني ليناس لينكيفيسيوس على حسابه على تويتر.
واوضحت مصادر دبلوماسية ان العقوبات تستهدف 13 مسؤولا روسيا وثمانية أوكرانيين موالين للروس يؤخذ عليهم النيل من سيادة اوكرانيا ومن بينهم ثلاثة ضباط عسكريين كبار.
وأضاف لينكيفيسيوس لفرانس برس "انهم قادة مزعومون في القرم وروس، خصوصا أعضاء مجلس الدوما وممثلو القوات المسلحة الذين شاركوا في عمليات غير شرعية".
لكن هذه اللائحة الأولى التي ستنشر في الجريدة الرسمية للاتحاد الاوروبي لا تشمل وزراء من الحكومة الروسية، وفق ما اوضح مصدر دبلوماسي.
وتقررت العقوبات الاوروبية لمدة ستة اشهر قابلة للتجديد.
واعلن لينكيفيسيوس ان الاتحاد الاوروبي سيتخذ "عقوبات اضافية خلال الايام المقبلة".
ولدى وصولهم إلى بروكسل أمس، اعرب كل وزراء الخارجية الاوروبيين عن احتجاجهم وحزمهم ازاء روسيا.
وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون "نحاول توجيه اقوى رسالة ممكنة إلى روسيا (...) كي تدرك مدى جدية المسالة" غداة الاستفتاء "المزعوم" في القرم.
وهذه العقوبات غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين الاتحاد الاوروبي وروسيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وهي عبارة عن المرحلة الثانية من "الرد التدريجي" الذي اتفق عليه رؤساء الدول والحكومات الاوروبيون في اول اجتماع طارئ حول اوكرانيا في السادس من آذار (مارس).
غير ان الاوروبيين يعتبرون انه لم يفت الاوان لايجاد حل سياسي وتفادي تفاقم الازمة الاوكرانية.
وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس على غرار نظرائه الاوروبيين "يجب ابداء حزم كبير وفي الوقت نفسه ايجاد طرق الحوار وعدم التصعيد".
وبما ان الخيار العسكري مستبعد تماما، يعول الغربيون على عزل روسيا بشكل متزايد على الساحة الدولية ويحتفظون بامكانية فرض عقوبات اقتصادية وتجارية من شانها ان تتسبب في انعكاسات اخطر بكثير لأن الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي يعتبران من اكبر ثلاثة شركاء موسكو.
واعلن وزير خارجية لوكسمبورغ جان اسلبورن ان روسيا "ستعاني" لان تحركها في القرم تسبب في "تخفيض سعر صرف الروبل" وفي "عزلتها في مجلس الامن الدولي" و"حتى انتقادات شركائها مثل كازاخستان وارمينيا"، مؤكدا "اصبح هناك خوف من روسيا الان، وهذا الامر يؤدي إلى تراجع الاستثمارات والاقتصاد".
وفي الاثناء يركز الاوروبيون على مساعدة السلطات الاوكرانية الجديدة على فرض نفوذها ويعدونها بدعم اقتصادي بقيمة 11 مليار يورو. ويستعد القادة الاوروبيون للتوقيع على الشق السياسي من اتفاق الشراكة بين اوكرانيا والاتحاد الاوروبي الجمعة المقبل، في اليوم الذي يفترض ان يعتمد خلاله البرلمان الروسي قرار الحاق القرم بروسيا.
في غضون ذلك، توقع خبراء روس أن تتكبد دول الاتحاد الأوروبي خسائر مالية فادحة في حال قيام الاتحاد بفرض عقوبات على روسيا فيما يتعلق بالأزمة حول شبه جزيرة القرم، لافتين إلى أن حزمة الاجراءات الاقتصادية التي يمكن للاتحاد الأوروبي أن يتخذها ضد روسيا محدودة للغاية. ويشكل الاقتصاد الروسي نسبة 3 % من حجم الناتج الإجمالي العالمي، ويشغل جزءا كبيرا من حجم الطلب على المنتجات الأوروبية، وخصوصا من دول كألمانيا وإيطاليا، وفرنسا، فلذلك فإن أي انقطاع في العلاقات التجارية والاقتصادية مع روسيا يعني بالنسبة لهذه البلدان خسارة كبيرة. وقال ألكسندر شيروف نائب مدير معهد التنبؤات الاقتصادية في موسكو، إن أكثر ما يقلق موسكو في الوقت الحالي، هو مصير العلاقات التجارية والاقتصادية مع كييف. وأشار إلى أن أوكرانيا تعد مصدرا للكثير من قطع الغيار المتعلقة بالصناعات الحربية التي تستوردها روسيا كقطاع صناعة الطيران، وبناء السفن وقطاع الصناعة النووية، ومن الممكن أن تتأثر هذه القطاعات في حال تم قطع العلاقات التجارية مع أوكرانيا. كما نوه الخبير الاقتصادي إلى أن البنية التحتية في شبه جزيرة القرم ليست متطورة بما فيه الكفاية، لذلك ستحتاج إلى ضخ استثمارات لتطويرها تتراوح قيمتها ما بين 2 و3 مليارات دولار على المدى القصير.
وفي كييف، اعلنت اوكرانيا امس انها استدعت سفيرها في موسكو غداة تصويت سكان منطقة القرم الاوكرانية لصالح الانضمام إلى روسيا.
وذكرت وزارة الخارجية الاوكرانية في بيان "نظرا للوضع في القرم وضرورة مناقشة بعض الجوانب الدولية لهذه الازمة، قررت اوكرانيا استدعاء سفيرها (في موسكو) للتشاور معه".
ويترك استفتاء سكان القرم لصالح الانضمام إلى روسيا هامش مناورة ضيقا امام الحكومة الاوكرانية الجديدة لاستعادة المنطقة الانفصالية، لكنه قد يجيز لكييف تعزيز علاقاتها بالغرب.
وشبه الجزيرة الواقعة على ساحل البحر الأسود والتي قدمها الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشيف إلى اوكرانيا العام 1954، في صلب احدى اسوأ المواجهات الدبلوماسية بين موسكو والغرب منذ نهاية الحرب الباردة.
وادى استفتاء ضم القرم إلى روسيا إلى دعم موقف الانفصاليين الموالين لروسيا الذين يسيطرون على أغلبية البنى التحتية في المنطقة، من المباني الرسمية إلى مقار التلفزيون والبريد.
وفي مواجهتهم، لم يعد امام اوكرانيا وحلفائها الغربيين الا خيارات قليلة للحؤول دون سيطرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على القرم والتي يعتبرونها غير شرعية.
اضافة إلى العقوبات، باتت صورة ومكانة روسيا على الساحة الدولية مهددة بعواقب وخيمة. فموقعها في مجموعة الثماني على المحك، فيما اصر عدد من اعضاء مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة على حرمانها من حقها في استضافة كاس العالم لكرة القدم العام 2018.
وردا على ذلك، اطلقت روسيا حملة دعائية إعلانية تصور روسيا وحيدة في مواجهة الغربيين، ما أدى إلى احراز بوتين اعلى مستوى من الشعبية منذ عامين.
ولا يعتبر طرد الجنود الروس إلى خارج القرم خيارا لاوكرانيا التي ستلعب في هذا النزاع دور داود في مواجهة جالوت.
فجيشها النظامي المؤلف من 130 ألف رجل نصفهم مجندون ومجهزون بعتاد بائد، لن يشكل ثقلا في مواجهة الجنود الروس الـ845 الفا الذين يمكنهم كذلك الاعتماد على قوة بلادهم النووية.
ومن غير المتوقع ان يستجيب القادة الغربيون لمطالبة عدد من الصقور الاميركيين على غرار السناتور جون ماكين، بتوفير مساعدة عسكرية حيث عليهم التعامل مع رأي عام يزداد معارضة للتدخلات الخارجية.
لكن رفض اوكرانيا سحب قواتها من القرم قد يزيد الوضع صعوبة بالنسبة إلى روسيا.
وحذر النائب الاول لرئيس الوزراء الاوكراني فيتالي ياريما "اذا بدأوا يستخدمون أسلحة ضدنا، فسنستخدم اسلحة ضدهم".
وترتدي القرم اهمية استراتيجية بالنسبة إلى روسيا لانها توفر لها موطئا على البحر الاسود والبحر المتوسط القريب.
لكن شبه الجزيرة منطقة ذات اقتصاد منهار وتعتمد على اوكرانيا لتوفير مواردها من الغاز والكهرباء والمياه.
واقترح قوميون في كييف قطع هذه الموارد الحيوية عن القرم لصد طموحات روسيا.-(وكالات)