روسيا ليست حليفاً.. لكن بالإمكان أن تكون شريكاً

باسكال بونيفاس* - (لوموند) 25/6/2012

ترجمة: مدني قصري

لا شك أن تناول العلاقات بين فرنسا وروسيا -وهي المشكلة ذاتها مع الصين- يعني في كثير من الأحيان أن نتصور سياستين بديلتين مُمكنتين. ولذلك، فإن السؤال هو: أيهما سنختار؟اضافة اعلان
يتمثل الخيار الأول في وضع المبادئ الأخلاقية في الطليعة، وفي التنديد بانتهاك حقوق الإنسان والمساس بالديمقراطية في هذا البلد، وفي انتقاد ما يمكن أن يقدمه هذا البلد من دعم للأنظمة القمعية على الصعيد الدولي. ويتمثل الخيار الثاني في الأخذ بعين الاعتبار أهمية البلاد الاستراتيجية، ووضعها في مجلس الأمن، وتبعيتنا نحن إليها في مجال الطاقة، وجاذبية سوقها، وهو ما يعني أن لا نضع في المقدمة الاختلافات في التقييم، وأن تجنب أيضا التعبير علنا عن اعتراضات صريحة وقوية. إنه النهج الأخلاقي في مواجهة النهج الواقعي، أي باختصار معضلة "ويبر" الأبدية بين أخلاقيات المسؤولية وأخلاقيات القناعات.
إلا أن الحياة الدولية لا تنطوي على تقسيم بهذا القدر من المانوية (أي المبدأ القائم على الصراع بين الخير والشر). من المريح بالطبع أن ننطلق من مبدأ أن المثقفين وكُتاب الأعمدة لا شأن لهم بالحقائق الميدانية، فيما لا شأن للقادة بالمبادئ الأخلاقية. وقد أعطى نيكولا ساركوزي مثالا عن الشخص الذي انتقل بين هاتين الحالتين. فعندما كان مرشحا للانتخابات الرئاسية، وحريصا على إرضاء المثقفين ووسائل الإعلام، أعلن أنه لن يصافح بوتين أبدا. وبعد ذلك، حين أصبح رئيساً، كان أوّل رئيس دولة في حلف شمال الأطلسي يزوّد روسيا بمعدات عسكرية مهمة. وقد أقام بعد ذلك علاقات وطيدة وممتازة مع القادة الروس.
ولكن، هل يتوجب علينا أن نستسلم لهذا التفرع الثنائي في المواقف، المرتبط بالتفرع الثنائي في الأوضاع؟ لقد أتقن الرئيس السابق فرانسوا ميتران نُطق اسم "ساخاروف" في الكرملين عندما كان هذا الأخير ما يزال تحت الإقامة الجبرية، من دون أن يتسبب ذلك في أي أزمة كبرى بين موسكو وباريس. ويجب علينا، عند تقييم علاقاتنا مع موسكو، أن نتخلى عن وَهْم كاذب في زمن مضى، كنا نعتقد فيه أننا قادرون على فرض إرادتنا على أمم أخرى لا تملك خيارا آخر سوى الامتثال لما نمليه عليها.
إن شجب السياسة الروسية بعبارات عنيفة قد يُرضي بعض الناس، لكنه لن يُحرك سياسة هذا البلد قيد أنملة. ولذلك يجب علينا أوّلا أن نقيّم علاقة القوة من وجهة نظر واقعية. "عندما ترغب في تغيير الوضع الراهن يجب أن تعترف به أوّلا"، هكذا قال إيغون بهر، المفكر في مجال سياسة الانفتاح نحو الشرق (الأوستبوليتيك)، وهي السياسة التي ما تزال تمثل أنموذجا فريدا من نوعه في تصور السياسات الذكية إزاء موسكو. والمشكلة القائمة هي أن البعض يقفون إزاء روسيا موقفا يذكّرنا بسياسة الصقر (أي التصلب في السياسة) إزاء الاتحاد السوفياتي. أي الإدانة بالجملة التي تحُول دون الوصول إلى أي اتفاق، أيا كان هذا الاتفاق.
إذا كانت فرنسا تريد أن تستمر في لعب دور فاعل على الصعيد الدولي، فإنه لا يمكن أن تتجاهل ثقل روسيا على الساحة الدولية، ولا ثقل الصين، مثلما لا يمكن لها أن تتجاهل ثقل أي أمة أخرى من الأمم العظمى. إن موقف الواعظ يظل موقفا باهظ الثمن على الصعيد الداخلي، لكنه لا يقدم شيئا إطلاقا على الصعيد الدولي. فما مصلحتنا في هذه المسألة؟ وما حاجاتنا الحقيقية، وما مصلحتنا في التعاون مع موسكو؟ بالأمس، على سبيل المثال، اتفقنا مع روسيا حول معارضة الحرب على العراق. واليوم نحن مختلفون معها حول المسألة السورية، ويجب أن نعمل على تغيير موقف روسيا حول هذه المسألة، وعلينا ألا نخفي خلافاتنا في شأن هذا الملف.
روسيا ليست حليفا، لكنها يمكن أن تكون شريكا. ولا شيء يُلزم طرفا بأن يكون متفقا مع شريكه في كل الأحوال. لا بد من معالجة كل حالة على حدة. لكن هذا لا ينبغي أن يقودنا إلى التزام الصمت حول ما نختلف فيه. فلا إدانة عامة ولا صمتا كاملا! وإذا كنا نريد أن نصبح قوة عظمى، فإنه يجب علينا أن نتحلى بالشجاعة الكافية من أجل تأكيد معارضتنا لموسكو -كما هو الشأن في الواقع مع العواصم الأخرى- ويجب أيضا أن نعرف كيف نعمل ونتعامل مع هذا البلد. ليس لدينا خيار بين هذا النهج أو ذاك، بل علينا أن نجمع بين النّهجين معا.
*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (إيريس)
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
La Russie n'est pas une alliée, mais elle peut être une partenaire

[email protected]