روسيا.. نبذ الفساد والانتقال إلى بناء الديمقراطية

محتجون يشتبكون مع قوات الأمن في روسيا  - (أرشيفية)
محتجون يشتبكون مع قوات الأمن في روسيا - (أرشيفية)

فلاديمير بوتين - (الغارديان) 

ترجمة: عبد الرحمن الحسينياضافة اعلان

لا تُخلق الديمقراطية بين عشية وضحاها، ويجب على المجتمع أن يكون مستعداً لآليات ديمقراطية. ويجب أن يشعر الأغلبية بأنهم مواطنون، وأن يكونوا مستعدين لتكريس الاهتمام وبذل الجهود للمشاركة في عملية الحكم.
في التسعينيات (من القرن الماضي)، واجهنا الفوضى العارمة والأوليغاركية، وكان المجتمع يتكون من جمهور حرر نفسه من الشيوعية، لكنه لم يكن قد تعلم بعد كيفية أن يكون سيد نفسه ومصيره الخاص. وقد مر المجتمع في عملية صعبة من التطور، وقمنا جميعاً بتمكين ذلك من خلال العمل سوية لإخراج البلد من المستنقع، ولإحياء وإنعاش الدولة واستعادة سيادة الشعب التي تعد الأساس للديمقراطية الحقة.
وإذا نظرنا إلى قائمة الحقوق التي يعتبرها الشعب الروسي أساسية، فان تلك الحقوق التي يحرص عليها المعظم هي، حقوق العمل والرعاية الصحية المجانية والتعليم للأولاد. واليوم مع ذلك، نرى أن مجتمعنا مختلف تماما مقارنة مع ما كان عليه عند انعطافة القرن. فقد أصبح العديد من الناس أثرياء ومتعلمين وكثيري المطالب. هذه المطالبات بالتغيير في الحكومة، وحقيقة أن الطبقة الوسطى تخرج من العالم الضيق لزيادة ازدهارنا الخاص، إنما هي نتائج لجهودنا. لقد عملنا من أجل ذلك.
لقد أصبح مجتمعنا المدني أكثر نضجا ونشاطا ومسؤولية بكثير. ونحتاج إلى تحديث آلياتنا الخاصة بديمقراطيتنا بحيث تواكب هذه الزيادة في النشاط المجتمعي. ويتطلب المناخ السياسي، شأنه شأن مناخ الاستثمار، إجراء التحسين الثابت والدائم.
لكنني أعتقد بقوة بأننا لا نحتاج إلى سيرك من المرشحين الذين يتنافسون مع بعضهم بعضا لتقديم وعود غير واقعية على نحو متزايد، ويجب على أطباء الدُّوار الذهني وصانعي الصور أن لا يسيطروا على الساسة.
يجب أن نخلق نظاماً سياسياً هو بأمانة ممكن -وضروري- فمن يتقدم باقتراح أو ببرنامج يجب أن يكون مسؤولا بشكل كاف بحيث يستطيع تنفيذه. ويجب على أولئك الذين ينتخبون صانعي القرار أن يفهموا لمن يصوتوا ولماذا، وسيفرز ينتج ذلك الثقة والحوار البناء والاحترام المتبادل بين المجتمع والحكومة.
ولا تعني الديمقراطية الحديثة كالحكم من جانب الشعب أن تكون مقتصرة ببساطة على الإدلاء بالأصوات. فالديمقراطية، من وجهة نظري، هي الحق الاساسي للشعب في اختيار حكومته بحيث يؤثر عليها باستمرار، كما وعلى عملية صنع القرار لديها. وفي هذا الصدد، أقترح طرح قانون لمراجعة برلمانية إلزامية لأي مبادرة تشريعية تحصل على اكثر من 100.000 توقيع داعم على الانترنت. وثمة ممارسة مشابهة في المملكة المتحدة.
يجب أن تدمج الديمقراطية المستندة إلى الانترنت في التطوير الكلي للمؤسسات، وخاصة على المستويات البلدية والمناطقية، مما يخلق ديمقراطية مستندة الى الاستفتاء.
ان الحكم الذاتي المحلي هو مدرسة المسؤولية المدنية. واليوم، وفي مرحلة جديدة من تطورنا، نعيد طرح فكرة إجراء انتخابات مباشرة للحكام. كما أنني أقترح أن يتم تأهيل البلديات لادارة كل الضرائب التي تجمع من الأعمال الصغيرة التي تخضع راهنا لنظام ضريبي تفضيلي. ويبقى الاستقلال الاقتصادي الأقوى على نحو خاص ذا صلة بالمدن الكبيرة ومتوسطة الحجم. فالمدن هي التي تقود النمو الاقتصادي وتعد موارد المبادرات المدينية.
يجب على المركز الفدرالي أن يعرف كيف يعوض ويعيد توزيع السلطة -وليس السلطة فقط، وإنما أيضاً مصادر التمويل للموازنات المحلية والمناطقية على حد سواء. وفي نفس الوقت، يجب علينا أن نضمن أن لا تفلت الأمور في البلد من زمام السيطرة خلال العملية. إذ يجب أن لا تبدد سلطة الحكومة. ومن غير المقبول أن تتم إعادة نقل الموارد والسلطات ميكانيكياً بين مختلف مستويات الحكومة. كما أنه يجب عدم تفعيل المركزية أو اللامركزية بطريقة عشوائية.
إننا نحتاج، وبشكل حاسم، للإشراف على إجراء تحول في اتجاه التفكير السائد في الخدمة العامة لبناء بيئة تنافسية للعيش والإبداع والنشاط التجاري في روسيا. والحديث عن الفساد في روسيا عام، وما تزال ثمة محاولات في تاريخنا للجمه عبر القمع. ومن الطبيعي أن القتال ضد الرشوة يعتمد على إجراءات قمعية، لكن المشكلة عميقة أكثر من ذلك بكثير. فهي تتأتى من الافتقار إلى الشفافية، وإلى مسؤولية الوكالات الحكومية أمام المجتمع، والدافع البائس للخدمات المدنية. وهنا، في رأيي، فإننا نواجه مشاكل ضخمة.
تقول لنا الاستطلاعات إن المراهقين الذين كانوا مديرين في التسعينيات (من القرن الماضي) يحلمون بأن يصبحوا أوليغاركيين، والذين يتوقون راهناً إلى أن يكونوا في سلك القطاع العام. وينظر العديدون إلى القطاع العام على أنه مصدر للسيولة السريعة والسهلة. وطالما ظل هذا المحفز موجوداً، فستكون عمليات التطهير عديمة الفائدة والجدوى - فاللصوص غير المقنعين سيستبدلون بآخرين وحسب.
من أجل مكافحة الفساد الممنهج، فإننا نحتاج فحسب إلى تفكيك السلطة والممتلكات، كما نحتاج أيضاً إلى الفصل بين السلطة التنفيذية ونظام فرض القيود والضوابط عليها. ويجب أن تشترك الحكومة والمعارضة في المسؤولية السياسية للقتال ضد الفساد.
يجب علينا أن نحدد الأعمال التي تكون عرضة للفساد في داخل السلطة التنفيذية وإدارة شركات الدولة. ويجب أن يكون المسؤول في هذا الدور مؤهلاً لأن يتقاضى راتبا عاليا، لكنه يجب عليه أن يوافق على ممارسة الشفافية المطلقة، بما في ذلك التصريح بنفقاته وبالمشتريات العائلية الكبيرة، وبمكان الإقامة الحالي وكيف يسدد نفقات العطلات، وهكذا.
وفوق كل اعتبار، يجب أن نجعل العدالة متوفرة لكل شخص من خلال طرح إجراءات إدارية، ليس للأعمال التجارية فقط، وإنما أيضاً للاستماع إلى النزاعات التي تنشأ بين المواطنين والمسؤولين. وسوف تعطى التنظيمات المدنية الحق برفع دعاوى بهدف الدفاع عن مصالح أعضائها. وتتوفر راهنا قاعدة بيانات عامة لكل صنوف تحكيم قرارات المحاكم، وهي قيد العمل ومتاحة للجميع. ويترتب علينا الآن تشكيل قاعدة بيانات مماثلة في عموم المحاكم الخاصة بالقضاء العام.
سنعمل باستمرارية وتعقل وتصميم. وسوف نقضي على الأسباب الجذرية للفساد، ونعاقب أولئك المسؤولين المعنيين. لقد ألحقنا الهزيمة بالأوليغاركية وبالتأكيد سوف نهزم الفساد.

*نشر هذا المقال تحت عنوان:
Russia must reject corruption and build a modern democracy