روليتا روسية

معاريف

دافيد بن الون

27/4/2018

لعل هذا بسبب العمر والمقدمة التي توشك على التبدل، وربما هذه هي التحقيقات، وقد تكون هذه هي الإدارة الودية في أميركا، ولكن شيئا ما تغير في رئيس وزرائنا. الرجل الذي نفر كل حياته من أخذ المخاطر، يتخذ في الاشهر الاخيرة صورة الجسور والمصمم أكثر من أي وقت مضى. فبعينين مفتوحتين يتصدر خطوة ذات نزعة قوة ومبرر حيال إيران، رغم الخطر في ان تجلبنا هذه الخطوة إلى صدام واسع، ربما حتى مع الروس. اضيفوا إلى هذا الاعمال المنسوبة لإسرائيل في سورية، في ماليزيا، في لبنان، في غزة وفي اماكن اخرى، وستحصلون على نتنياهو الذي لم يسبق أن عرفناه.اضافة اعلان
في الاسابيع الاخيرة تطورت لعبة قمار قاسية بين كل اللاعبين المشاركين في سورية. فالكل: الإيرانيون، الروس، الأسد وإسرائيل أيضا، يرفعون كل الوقت مستوى الرهان ومستوى التهديدات. من الصعب في هذه اللحظة التقدير من منهم يخدع ومن منهم يقصد حقا، إذ انهم كلهم يرفعون عيونهم إلى اللاعب الذي يجلس في رأس الطاولة وهو ذو اليد الاقوى: قرار دونالد ترامب في 12 أيار عن مستقبل الاتفاق النووي مع إيران هو نقطة ارخميدية، ومنها ينشأ كل شيء. في الخلفية يجلس لاعب آخر، حماس، التي تتوقف هي أيضا للانضمام إلى الطاولة ولم تقل بعد كلمتها الاخيرة.
بقدر ما يعلو الإيرانيون في الاقوال، هكذا تبدو يدهم هي الاضعف. فقد مرت ثلاثة اسابيع منذ الهجوم في مطار تي فور في سورية. فبعد ساعات من الهجوم كان استدعي قاسم سليماني، قائد قوة القدس، إلى دمشق كي يدير الحدث. وهو يتردد حتى الآن كيف سيكون من الصواب الرد. وبصفته حذر بطبيعته، ينصت سليماني إلى التهديدات الإسرائيلية ويعرف بانها ليست فارغة.
إيران فزعة من امكانية الغاء الاتفاق النووي. فالخوف من مثل هذه الخطوة حطم منذ الان عملتها، وليس للإيراني المتوسط ما يكفي من المال لان يشتري من البقالة. والاضطراب ضد النظام انتشر إلى الطبقات الدنيا، وهم المؤيدون التقليديون لآيات الله، وبالتوازي تواصل نساء إيران بشجاعة الاستفزاز في احتجاج الحجاب. تفهم الامة الإيرانية بانها تقترب من نهاية عصر. ايام الزعيم الأعلى خامينئي معدودة. والحرس الثوري هو من سيحاول أن يملي هوية الزعيم التالي، فيما أن الجمهور يلمح له بان ليس كل اختيار سيكون مقبولا منه. على خلفية الضعف الداخلي، في الحرس الثوري يخشون من عملية ضد إسرائيل تؤدي إلى رد مهين ضدهم، في سورية أو في إيران نفسها. وهذا هو السبب الذي يجعل إسرائيل تسمح لنفسها التهديد بمثل هذا التصميم ضد الإيرانيين. إسرائيل تستعد لرد إيراني، وأكثر من ذلك: يمكن الافتراض بانه إذا ما لاح في الأيام القريبة هدف آخر لتواجد إيراني في سورية فإنه سيدمر.
في سنته الاخيرة في المنصب، يحاول رئيس الاركان غادي أيزينكوت التحلل هو الاخر من صورة الحذر التي لصقت به. فهو يتخذ خطا متصلبا حيال التواجد الإيراني في سورية ومستعد لان يأخذ مخاطر أعلى. وارتبط به رئيس الموساد يوسي كوهن، الذي وفقا لمنشورات في العالم يقود معركة عنيفة وعظيمة الجسارة ضد قدرات حماس، إيران وحزب الله.
لم تكشف ماليزيا بعد جوازات سفر الاشخاص الذين صفوا فادي البطش. عندما صفي محمود المبحوح في دبي قبل ثماني سنوات كشفت الشرطة المحلية 26 جواز سفر لعناصر خلية التصفية. وكانت هذه هي جوازات السفر التي استخدمت كثيرا في الماضي مما سمح لدول عديد في العالم ملاحقة تحركات واعمال حاملي جوازات السفر. بعضها حتى تعود لأشخاص حقيقيين يعيشون في البلاد وفي العالم. وأنا مستعد لان اراهن على أنها حتى لو كانت لدى ماليزيا هذه المرة أيضا جوازات سفر المصفين – لن يكون فيها أي طرف خيط. تماما مثلما في تصفية مهندس الطائرات المسيرة محمود الزواري في تونس قبل سنة.
أحد العوامل التي تعزز جدا الثقة بالنفس لدى نتنياهو، ليبرمان، أيزينكوت وكوهن هو التنسيق الاخذ بالتوثق مع الولايات المتحدة. فقد زار هذا الاسبوع إسرائيل قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال جوزيف واتل. ولم تكن هذه زيارة عادية. فعلى مدى السنين عارض الأميركيون الاتصال المباشر مع القيادة الوسطى وأصروا على ان يعمل الجيش الإسرائيلي مع قيادة أوروبا فقط. هذه الزيارة العلنية للقائد المسؤول عن إيران وسورية في الجيش الأميركي هي اشارة واضحة على التنسيق الوثيق الذي بين الجيش الإسرائيلي والجيش الأميركي.
ولكن المخفي الاعظم في قرارات إسرائيل هم الروس. فقد جرى الحديث كثيرا هذا الاسبوع في مسـألة توريد منظومات اس 300 لسورية. هنا أيضا نحن نخيف أنفسنا قليلا: فصواريخ اس 300 حتى في طرازها المتطور، هي منظومة قديمة نسبيا. سلاح الجو يعرفها جيدا. وحسب منشورات اجنبية، تدرب منذ الآن على المنظومة التي في اليونان. منذ 20 سنة وسلاح الجو يستعد للحظة التي تنصب فيها صواريخ اس 300 في سورية. وإذا ما حصل هذا، فستعرف إسرائيل كيف تتصدى له بقوة أو بوسائل اخرى.
للروس هنا أيضا معضلة. أس 300 هي إحدى منتجات التصدير المتقدمة لديهم. في السنة الماضية اشترتها مصر، السعودية وتركيا. وآخر ما يحتاجون هو أن يكشف سلاح الجو عندنا المنظومة كأداة فارغة. واضح أن توريد المنظومة ليس تطورا مرغوبا فيه، ولكن هكذا كان أيضا عندما ورد الروس للأسد اس. ايه 22 واس. ايه 17. والآن يلوحون بورقة الـ اس 300 كتهديد، ولكن ليس واضحا بعد إذا كانوا يعتزمون تنفيذه.
ما يقلق إسرائيل اكثر، هو مسألة اذا كانت روسيا قررت وضع حد للنشاط الحر لسلاح الجو في سورية. من كل القوى التي في محيطنا، فإن روسيا هي الوحيدة التي لديها القدرة على شل سلاح الجو: سواء باستخدام أس 300 وأس 400 المنصوبة منذ الآن في سورية أم في القدرة على الضرب الشديد لقواعد سلاح الجو. وفي محاولة لاستيضاح هذا ارسل نائب رئيس مجلس الأمن القومي، ايتان بن دافيد، للقاء نظيره الروسي في سوتشي. ولكنه لم يعد مع اجوبة واضحة.
روسيا ليست صديقة إسرائيل. فهي شريكة اسوأ اعدائنا. وما يزال، فإن التطلع الإسرائيلي هو عدم تحويلها إلى عدو، لانها ستكون عدوا خطيرا. تحاول إسرائيل خلق معضلة للروس بين الشراكة مع الاسد وبين دخول إيران إلى سورية. والرسالة الإسرائيلية هي ان الامرين لا يمكنهما ان يكونا معا، وعلى روسيا أن تتخلى عن احدى الامكانيات.
وبينما تنظر روسيا في امكانياتها، يستعد جيش الاسد لاحتلال الجولان في الصيف القريب القادم، وهنا أيضا ستكون معضلة إسرائيلية. الاسد سيحاول السيطرة من جديد على الحدود مع إسرائيل. وهو سيحاول عمل ذلك في المفاوضات مع القرى خلف الحدود، وإذا لم ينجح هذا فسيسيطر عليها بالقوة. وسيتعين على إسرائيل ان تقرر إذا كانت ستساعد من يعملون معها بتعاون منذ ست سنوات أم انها ستتركهم لمصيرهم.
كل هذه المعاضل لن تصل إلى الحسم قبل 12 أيار. بالنسبة لإسرائيل فإن الغاء الاتفاق النووي المخزي الذي وقعه باراك اوباما مع إيران كفيل بان يكون تطورا خطيرا، يتركها وحدها حيال إيران. وعلى التطلع الإسرائيلي ان يكون اضافة ملحق للاتفاق، يقيد القدرات الإيرانية في مجال الصواريخ ويمدد مفعول التجميد القائم على البرنامج النووي الإيراني.