ريشة ناجي العلي تزين جدران منتدى الروّاد الكبار

كريم الزغيّر

عمان - في معرض "ريشة الفنّان"، تجلت رسومات رسام الكاريكاتير الفلسطيني الراحل ناجي العلي على جدران منتدى الروّاد الكبار مساء أول من أمس ، بحضور رئيسة المنتدى هيفاء البشير.اضافة اعلان
وبحديث استذكاري عن ناجي الفنّان والمثقف، قالت المستشارة الثقافية لمنتدى الرواد الكبار القاصّة سحر ملص: "نحن الليلة سنطوف ونستعيد ناجي العلي، الذي يعرفه كل إنسان مهتم بالحق والقضية الفلسطينية". ووصفت رسوماته ولوحاته: بالبصمات التي لا تمحى من القلوب والذاكرة الوطنية والإنسانية.
رئيس منتدى الفكر الديمقراطي عبدالله حمودة تحدّث من خلال كلمة له عن ناجي العلي والذي قال فيها: "هذا المعرض برعاية روح ناجي العلي، وهو خالد بفنّه ولوحاته ورسوماته".
وأضاف حمودة: المثقف بتعريف ناجي العلي ليس عليه أن يركب الدبابة، بل أن يلتصق بالنّاس وهمومهم، وشعار هذا المثقف كما حدّده ناجي هو "كلمة حقّ عند سلطان جائر". استطرد حمودة في حديثهِ: عندما نفسّر لوحات ناجي العلي، ومثالٌ على ذلك رؤيته للمرأة الفلسطينيّة، فإننا سنجد أن المرأة أقوى من الرجل، وأنها تسبر له الحقائق عندما تُحجب عنه. وسارع الحضور للنظر على اللجدران التي دُمغت بلوحات ناجي العلي، وعبارات تندرية على الواقع القومي والوطني.
"المخيم.. سطوع الأمكنة"
شغف جعل أعين الحضور من مختلف الفئات تحدّق مليًّا برسومات فنّان الطبقة البروليتارية (الكادحة)، أو حنجرة المخيم التي لا تنكفأ عن الحديث حول الهموم الوطنية اللامتناهية، تجلّى "حنضلة" في لوحاته كفلسطيني مهمّش مدقع وبثيابه الرثّة، والذي قال عنه ناجي العلي: سيعيش كثيرًا، ولن يموت. رسوم ناجي العلي حول "الواقع المخيماتي" انبثقت خلال المعرض، فالمخيم بحسب ريشة العلي هو قدرة المكان على استثارة العاطفة الوطنية الجامحة لانتزاع الحقوق الوطنية، وأبرزها حقّ العودة، الذي لم يتخلَ عنه ناجي العلي برسوماته أو بسلوكه الوطني وممارساته الشخصية.
"فاطمة.. المرأة الفلسطينية"
المرأة عند ناجي العلي، هي أنوثة المخيم، فالمرأة يجب أن تكون الينبوع للشخصيات الفلسطينية (الفدائي، الشهيد، الأسير)، وأنوثة المخيم هي أن تمارس المرأة الفلسطينية دورها الإبداعي في صناعة التكوين الوطني.
لم تكن فاطمة (الشخصية الرمزية للمرأة الفلسطينية عند ناجي العلي) ساذجة لتقنع بما تصغي إليه، فالمرأة الفلسطينية حريصة على أن تستكين لما تلوكه الاذاعات والصحف من تصريحات ووعود، ففاطمة التي يقول لها زوجها: "غلطانة يا فاطمة.. بالنسبة لقضيتنا بضل في نظام ألطف من نظام".. فاطمة التي لا ينطلي عليها الكلام الرسمي، تبدّد الخيال العاطفي لزوجها فتجيبه: "أنا اللي غلطانه يا زلمة، وإلا انت اللي صرت خرفان من كتر ما لخموك بإعلامهم".
لوحات أخرى تماهت مع الوجدان الوطني والإنساني، وعن رمزية الأشكال الوطنية كالعلم الفلسطيني مثلًا، والذي يخاطبه ناجي بلسان التوّاقين للحرية والأرض: "عش هكذا أيها العلم.. فإننا بك بعد الله نعتصم".
في العام 1937 وفي قرية الشجرة الرابضة بين طبريا والناصرة، ولد ناجي العلي، وسرعان ما هاجر مع أسرته العام 1948 أثناء النكبة التي أحاقت به ومعه آلاف الفلسطينيين داخل أسوار المخيمات، وكانت ريشة ناجي تداعبه برسوم عن حقّ العودة.
وبعد أن استكمل تعليمه المدرسي، حصل على شهادة الدبلوم في ميكانيكا السيارات، ولكنّ ديناميكيته الفنية كانت مندفعة نحو "شكلنة" الهموم الفلسطينية، فالتحق بالأكاديمية اللبنانية للعلوم الفنية العام 1959.
وبينما كان الكاتب والروائي غسّان كنفاني في معرض للرسوم واللوحات الفنية داخل مخيم عين الحلوة، ليرى لوحة لشاب اسمه "ناجي العلي"، فاستملكه الانبهار ودفعه لينشر لوحة لناجي العلي العام 1962 في مجلة الحرية.
"السياسة، الطليعة، الحرية، السفير، القبس"، صحف ومجلات عمل بها ناجي العلي والتي رسم من خلاها أربعين ألف رسمة، جعلت القرّاء يبدؤون القراءة من الصفحة الأخيرة كما يقول محمود درويش.
في نهاية تمّوز 1987، أصبح كاتم الصوت مدويًّا وصاخبًا، كان القاتل يريد أن يغتال الريشة لا الرسّام فقط، ولأن القاتل سيطرت عليه هذه القناعة، فإنه قتل الرسّام وليس الريشة، التي ما زالت تحوم في سماء المخيمات والأحلام.
رحل ناجي العلي في نهاية شهر "آب" بعد غيبوبة لمدة شهر وسبعة أيّام، لكنّه بقي حنضلة رمزًا أبديًّا لا يصيبه الموت أو كاتم الصوت، فحنضلة استعصى على الآخرين اغتياله.