"زاحف الليل": خفايا الإعلام المرئي

مشاهد من "زاحف الليل"-(أرشيفية)
مشاهد من "زاحف الليل"-(أرشيفية)

إسراء الردايدة

عمان- حس ساخر ينبض بالحياة، في تصوير الحياة بالليل من خلال تتبع تأثير الصورة وأخبار الحوادث، وإلى أي مدى يمكن أن يصل البعض من أجل تحقيق غايتهم وسط التداخل في أخلاقيات الصحافة المرئية، وكلها تجتمع في معضلة ربما أخلاقية كما قدمها المخرج داني غيلروي في فيلمه "نايت كرولر".
شخصية الفيلم الرئيسية التي تلعب دورا كبيرا في أحداثه كافة هي الممثل جاك جلينهال، بدور لويس بلوم، التي تكشف الكثير منذ بداية الفيلم عن الانحطاط الأخلاقي وانعدام الإنسانية من أجل بلوغ الغاية.
ما يضعه المخرج غيلرويي في أولى تجاربه الإخراجية التي رشح فيها لأفضل نص في جوائز الأوسكار التي تعلن في الثاني والعشرين من الشهر الحالي، يضع المشاهد أمام معضلة أخلاقية من خلال بطل الفيلم الذي يدخل في عالم الصحافة بطريقة مشبوهة مدفوعا بحب المال وبقدرته على الكلام المنمق واستغلال الحاجة والظروف.
في عالم الصحافة وتحديدا على صعيد الجرائم، حيث للصورة تأثير مباشر على المشاهدين، يستغل بلوم هذا فيخوض تجربته في عالم الصحافة في مدينة لوس أنجلوس؛ حيث كل الأحداث تقع في الليل بحثا عن جريمة وعنف وقتل تنشر لاحقا في نبأ عاجل للمحطة التي تدفع أكثر.
تلك الشخصية التي صاغها غيلروي في السيناريو الذي كتبه بنفسه للفيلم إلى جانب أداء الممثل جلينهال، تتعزز قيمته الفعلية بتعابير وجهه التي لا تنم عن شيء سوى قساوة وغياب للإنسانية ولسان منمق يثرثر بخطابات بالية للوصول إلى الأهداف وما تعلمه من الإنترنت، فضلا عن تلك العيون المخيفة التي تحمل معاني الريبة ولا تنبئ بشخصية سوية.
تلك الشخصية أيضا تتمادى بدءا من المشهد الافتتاحي للبطل نفسه، وهو يقتحم كراجا للسيارات بقطع أسلاك سياج حتى لحظة مداهمته من رجل أمن خاص، الذي يقع ضحية عنف، ويسرق منه ساعته وينطلق بعيدا بسيارته، ومرة أخرى يقدم نفسه أيضا بشخصية مقتحم يدس أنفه في مشهد لحادث مأساوي؛ حيث يرى صحفيا آخر يمارس عمله في تصوير لحادث دموي قبل أن يقرر أن يعمل في هذه المهنة.
الاختيار للأحداث التي تقع في عالم الجريمة في مدينة لا تخفت فيها أضواء النيون، حيث يخرج كل المجرمين واللصوص وكأنهم صراصير الليل تزحف خارج أوكارها بحثا عن فريسة لها، ليتربص بهم ويلتقط أفعالهم وكأنه عنكبوت بانتظار أن يقع أحد في شباكه، فهذه الأحداث تعيد للذاكرة كلا من فيلم "Drive" لمخرجه نيكولاس ويندغ ريفن، الذي يلتقط الحياة بالليل ولكنها هنا بحس أكثر صخبا وحتى خيفة.
التصوير في الفيلم يبدو أشبه بتصوير وثائقي، فهو يلتقط إيقاع الحياة بالليل في كل المشاهد تقريبا، فيدخل في عالم يخلو من الرحمة، فالكاميرا التي يحملها بلوم تبدو وكأنها هي الكاميرا التي تصور الفيلم، ويصعب التمييز بين الحقيقية منهما، فتظهر بعض المشاهد وكأنها صورت بعدسته من خلال عينيه المريبتين، ويصاحب تلك المشاهد إحساس بالرعب وحتى الترقب والخطر.
ويبدو الفيلم وكأنه دراما واقعية نهايتها مريرة تستثير عواطف المشاهدين من خلال اللعب على وتر حساس، وتقديم المزيد من الدم والعنف، الذي يغذي حواسهم لانتظار المزيد من المادة الإعلامية الزخمة.
وحينها تصبح المبالغة جزءا من عنوان الفيلم نفسه، فالإحساس بالرعب وحالة الترقب التي تزحف شيئا فشيئا وتتسلل تعكس مكنونات تلك الشخصية الأساسية التي تبحث عن مخرج لها بأي طريقة، فهو شخص طموح لكنه استغلالي يتصيد في المياه العكرة.
أما القيادة والحركة بالسيارة ليلا في الشوارع من خلال حركته، ليلتقط خبرا مصورا وجريمة عنيفة دموية، فهي تحرك بالصورة القلق والترقب والرعب والاستفزاز، رغم الكوميديا السوداء التي تناقض رسالة الإعلام، لتستمد الفيلم فكاهته الساخرة من البلاغة الملتوية للمواقف التفاوضية التي يقودها بلوم مع مديرة المحطة الإخبارية التي تبث أخباره التي يلتقطها.
في النهاية ما يمثله "Nightcrawler" ما هو إلا جزء بسيط من واقع الأخبار اليوم، التي تنسج شباك نجاحها على فبركة للصور والأخبار حتى في تضييع للحقيقة وتمويهها لتحقيق نسبة مشاهدة عالية، بالاعتماد على "صراصير" زاحفة ترتطم بالحضيض، ولكنها للأسف تطفو على السطح كفقاعة هواء فاسد.

اضافة اعلان

 [email protected]