زرع الحس البحثي في الطفل

د. محمود أبو فروة الرجبي

لن نأتي بجديد عندما نقول إن سلوكيات وتصرفات الأهل تنعكس بشكل كبير على الطفل، وتحدد نسبة كبيرة من طريقة حياته في المستقبل، بل وتعطي مؤشرات مبكرة إذا كان الطفل سيكون ناجحًا أو متعثرًا في حياته، ومن السلوكيات الإيجابية للأهل التي تجعل الطفل ذا تفكير ناقد وقدرة كبيرة على التطور في الحياة “الحس البحثي”.اضافة اعلان
المقصود بالحس البحثي هو زرع حب الاستكشاف، والبحث عن الحقائق والمعلومات، وعدم أخذ ما يراه كمسلمة بل يفكر بها، ويطرح ثماني أسئلة على نفسه: ما الذي يحصل؟ ولماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ وأين؟ وما الهدف وراء ذلك؟ ولو لم يحصل ذلك ماذا سيتغير في الحياة؟ وما احتمالات سبب ما يحصل أمامه؟
هذه الأسئلة تجعل تفكير الطفل ناقدا، وتخرجه من مجاميع الإمعات، وتجعله صاحب رأي، وشخصية أقوى، وتزيد ذكاءه وتزوده بمهارات تفكير متجددة، والأهم من ذلك أنها تجعله يفهم الحياة أكثر، ويدخل في مفهوم التفكير المتعدد، أي يتعامل مع أي مسألة على أنها قابلة للحل، ويمكن وضع عدة احتمالات لهذا الحل.
على سبيل المثال، وليس الحصر، عندما يرى طفلك أمامه شخصًا يدعي قدرته على معرفة الغيب، وماذا يخبئ له المستقبل، ويرى شخصا لمرافق لهذا المدعي، يزعم أن ذلك الشخص أخبره بالغيب، وصدق فيما قاله.
التربية التقليدية تجعل من الطفل يصدق الأمر، فما دام هناك شخص آخر شهد مع الأول، فكلامه صحيح، أما الطفل الذي زرعت فيه العائلة الحس البحثي، لا يصدق، بل يذهب ويبحث في الموضوع، ويسأل مختصين، ويعرف في داخله أن هناك وجود احتمالية كذب حتى عند المختصين، ويشك في أي معلومة تصله، حتى يصل إلى الحقيقة في المواضيع التي تحتمل الحقائق، والأهم من ذلك أن يميز بين الرأي والحقيقة.
يمكن مساعدة أطفالنا للوصول إلى الحقيقة، أو المعلومات الصحيحة، من خلال تعويدهم على البحث، ولدينا الآن الإنترنت، وهذا بحد ذاته يحتاج إلى مهارة في البحث والمقارنة بين المعلومات للوصول إلى الحقيقة، وكذلك، تعليمه على كيفية الوصول إلى المختصين – عندما يكبر- أو التواصل معهم من خلال العائلة في سن الطفولة.
إذا زرعنا في أطفالنا عادة الرجوع إلى الإنترنت والبحث عن أي كلمة لا يعرفون معناها، أو أي حالة جديدة لا يعرفونها، نكون قد زرعنا فيهم أفضل طريقة لاكتساب المعرفة والثقافة، وهذا مهم في توسيع آفاقهم في ظل انتشار المحتوى الهابط في الإنترنت، ومع تسطيح الثقافة والمعرفة الذي نعيشه في قمة مساوئه.
للعقلية الباحثة التي يمكن زرعها في الطفل فوائد أخرى مثل زيادة نسبة الابتكارية في المجتمع، وخلق جيل غير تقليدي، مبادر، ونشط اقتصاديا، وصاحب عقلية مدنية في التفكير، متقبل للآخر، ويعرف أن الحياة تصبح أجمل عندما تكون مليئة بالألوان والاختلافات.
وبغير ذلك، سنبقى ضمن منطوق المثل الشعبي: مكانك سر. وهذا ما لا نستحقه في بلدنا الغالي الأردن، ووطننا العربي الكبير.