"زعلان من الشعب"

ربما تكون تلك العبارة التي أطلقها مواطن مصري بسيط على إحدى الفضائيات "أنا زعلان من الشعب" مفارقة  تختصر النتائج التي وصلت اليها الانتخابات الرئاسية المصرية، في إشارة الى عودة رموز النظام السابق ممثلة بصعود الفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المخلوع  الى مرحلة الإعادة في الانتخابات.اضافة اعلان
 فالثورة التي انتصرت تحت زخم شعارها العتيد "الشعب يريد إسقاط النظام" تبدو وكأن الشعب يقودها لاستعادة النظام السابق، ولكن هذه المرة من بوابة صناديق الانتخاب؛ فماذا يمكن أن يقال للشهداء ولساحة التحرير وللمشاهد المليونية إذا ما أعاد الشعب نفسه الرئيس بشخص أحد رجاله.
الثورة لم تصل الى السلطة، هذه الخلاصة التي يرددها الشباب الذين قادوا ثورة ميدان التحرير، ولكنهم ما يزالون متمسكين بأدوات الديمقراطية وبقيمها وما يزال النقاش مستمرا هل ثمة حاجة للميدان مرة أخرى.
 جيل الثورة وصناعها وأغلبهم من غير المؤدلجين، أعلنوا أنهم لن يمنحوا أصواتهم في جولة الإعادة للفريق شفيق، بذريعة أن بينهم وبينه دما وشهداء؛ ولكنهم على استعداد لصفقة مع مرشح حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للاخوان المسلمين في مصر على الرغم من وصفهم للحزب ومرشحه بالتواطؤ مع المجلس العسكري ومع بقية بنية النظام السابق، ما أوصل البلاد الى هذا  المشهد المعقد  والنتائج المربكة الراهنة.
 هل الديمقرطية تخون الجماهير أم أن الجماهير قد تخذل الديمقراطية حينما يستخدمها الشعب كأداة لا توصله إلى إرادته الحقيقية؟ المشهد المصري الراهن معقد ويزيد هذا السؤال تعقيدا، خلال الايام القريبة سيجد دعاة الدولة المدنية أنفسهم بين خيارين أحلاهما مر؛ فهذه الفئة العريضة تقف اليوم  بين إرث النظام السابق وبين دعاة الدولة الدينية الذين لم يثبتوا أداء سياسيا فارقا في تجربة سيطرتهم على البرلمان خلال الفترة الماضية، الخيار الثاني أن تذهب هذه الفئة الى المقاطعة، وهو خيار سياسي وارد إلا اذا دخل الاخوان المسلمون في عملية سياسية جدية وتنازلوا عن بعض مظاهر الاستحواذ السياسي. على كل الأحوال فما دامت الاسباب موجودة  فالثورة لا تستقيل ولا تذهب الى البيت لتستريح.
 المفاجأة الحقيقية في هذه الانتخابات  تتمثل في عودة قوية لتيار العدالة الاجتماعية الذي قدم خطابا سياسيا تنويريا ورؤية اقتصادية اجتماعية بلغة مختلفة قابلة للحياة في العالم الجديد ومستفيدة من أخطاء الماضي، وهو التيار الذي مثله المرشح حامدين صباحي الذي احتل المركز الثالث من بين 11 مرشحا، وجسد صدى صوت الثورة والشباب المصري. أهمية هذا الحدث إذا ما تمت قراءته في ضوء حجم المال السياسي والقواعد التنظيمية العالية الاحتراف التي وصفت بها حملات الاخوان واحمد شفيق، تبدو في عودة قريبة لليسار العربي الجديد، القريب من الناس والذي يعيد تقديم مبدأ العدالة الاجتماعية بثوبه الحقيقي بعيدا عن الايديولوجيات المغلقة وقريبا من حاجات الناس، وهو الامر الذي التقطه مرشح النظام السابق وتمثل بمقولة حاجة الناس الى الأمن والاستقرار.
  استحوذت هذه الانتخابات على اهتمام منقطع النظير في الشارع العربي ساده اشواق وشجون وعواطف ومعرفة، وربما ستصنف هذه الانتخابات كأول حدث ديمقراطي عربي مهم في هذا القرن، الخميرة الحقيقية ستكون في العدوى المصرية التي تنضج في هذا الوقت على نار هادئة في مطبخ التاريخ.

[email protected]