"زفة بلا عريس"

الأوساط الأردنية بلا استثناء منشغلة هذه الأيام بموضوع رفع الأسعار، وأثر ذلك على طرفي المعادلة، وهما الحكومة والمواطن. فالاقتصاد الذي عانى ويعاني مديونية تجاوزت نسبتها حاجز 67 % من الناتج المحلي الإجمالي -والذي يعتبر مقبولا حسب معايير البنك الدولي- لتصل إلى ما يفوق 90 % من هذا الناتج، يحتاج إلى معالجة جذرية تستند إلى رؤية واضحة وتقييم شامل يعالج الاختلالات ويؤسس لانطلاقة اقتصادية جديدة  بعد أن تتضح للجميع الموارد الأردنية المتوافرة والمتاحة، وتقييم أشكال وأنماط الاستثمار الحالية للموارد، ومدى فعالية وجدوى هذه الأنماط.اضافة اعلان
على الجانب الآخر للمعادلة، يدرك المواطن وجود اختلالات جذرية في الاقتصاد الأردني ومالية الدولة. لكنه يختلف مع الحكومات على تشخيص الأسباب المؤدية إلى هذه الاختلالات والأسلوب المتبع في التصدي لها. الكثير من المواطنين يتوجهون باللوم للحكومات المتعاقبة التي توسعت في الإنفاق والبذخ، بإيجاد مؤسسات وهيئات ومفوضيات وشركات حكومية موازية لمؤسسات قائمة وبميزانيات عالية. كما يثير البعض تساؤلات حول الجدوى من فتح باب اللجوء على مصراعيه من دون وجود ضمانات لتحمل العالم مسؤولية تمويل تكاليف استقبال وإيواء وخدمة اللاجئين، وتعويض الأردن باعتباره يقوم بهذه المهام نيابة عن المجتمع الدولي.
الأردنيون؛ أفرادا وجماعات، في القرى والمدن والبادية والمخيمات، في المكتب والشارع والتاكسي، يتحدثون هذه الأيام عن رفع الأسعار ومعاناة الناس والمقاطعة، ويسوقون قصصا وروايات حول الفساد والبذخ والرواتب المرتفعة والمكافآت التي يصرفها البعض لأنفسهم، والموظفون الذين يخرجون من الخدمة بحجة الاعتلال والإصابة ليعودوا لمواقع متقدمة بعيدا عن عيون أجهزة الرقابة والمحاسبة والتدقيق.
القضايا التي يتم طرحها، وبصرف النظر عن مدى دقتها وموضوعيتها، هي مصدر مهم للتعرف على مشاعر الناس وما يفكرون فيه. وفي المقترحات والأفكار التي يقدمها الناس حول الواقع والمأمول والسياسات والبرامج التنفيذية، مادة خصبة لإغناء العمل الحكومي وتعميق التواصل وتقوية الروابط وتوسيع للمشاركة في صناعة القرارات.
قبل سنوات، تأسس في الأردن "المجلس الاقتصادي الاجتماعي" ليشكل منبرا وأرضية للحوار بين الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات وقوى المجتمع المدني، كأطراف للمعادلة الاقتصادية الاجتماعية، وليقدم المجلس المشورة للحكومة حول السياسات الاقتصادية والتأثير المحتمل لها. ولأسباب غير معروفة، لم يكن للمجلس الذي نيطت به مسؤولية الحوار حول القضايا الاقتصادية الاجتماعية، حضور يذكر فيما يدور من أحداث تقع في صلب اهتمامه وتستدعي حضوره. ففي الوقت الذي ترتفع فيه وتيرة الحوار بين الحكومة والنواب، وتتداعى بعض قوى المجتمع لمقاطعة السلع، وتتسع دائرة الاهتمام بما يحدث لتشمل الصحافة بأشكالها المختلفة، لم يسمع أحد عن فعالية أو موقف أو نشاط قام به المجلس بخصوص هذا الموضوع.
خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، اجتاحت الولايات المتحدة موجة من الاحتجاجات ضد القرارات التي اتخذتها الإدارة الأميركية الجديدة. وهذه الاحتجاجات التي عبر عنها المجتمع الأميركي بتشكيلاته القضائية والدبلوماسية والشعبية، تعكس صورة المجتمع الديمقراطي الذي يشعر الجميع فيه بمسؤولية الحفاظ على القيم والمبادئ التي بنيت عليها الديمقراطية. وفي العديد من المدن الأميركية حال المحتجون دون دخول نواب وشيوخ إلى القاعات، أو عملوا على مقاطعة خطاباتهم، في محاولة للتعبير عن رفضهم لأي دعم أو تأييد يمنحه النواب والشيوخ لسياسات الرئيس الجدلية.
التفاعلات الأردنية حول قضايا الأسعار والإصلاح الاقتصادي ودعوات المقاطعة، تحتاج إلى صياغة ضمن إطار يجري فهمه والتفاهم عليه بعيدا عن الهبات التي تظهر كلما قامت الحكومات ببحث عجز موازنتها. وبانتظار ظهور المجلس الاقتصادي الاجتماعي بأجندة اقتصادية اجتماعية تستوعب مطالب الناس وتفهمها وتدعم سياسات وإجراءات الحكومة، يبقى الحديث والإجراءات محض اجتهادات يمكن الحماسة لها أو التراجع عنها حسب مصلحة اللاعبين.