زكريا محمد: الشعر قد يأتي داخل الرواية ولا أفترض أن يأخذ شكلا نهائيا

زكريا محمد: الشعر قد يأتي داخل الرواية ولا أفترض أن يأخذ شكلا نهائيا
زكريا محمد: الشعر قد يأتي داخل الرواية ولا أفترض أن يأخذ شكلا نهائيا

شاعر فلسطيني يرى أن المشهد الشعري من دون محمود درويش شديد النقص 

حاوره : زياد العناني

عمان- يرى الشاعر زكريا محمد أن علاقته بالشعر لم تكن مطمئنة. ويقول: ما الذي سأضيفه إلى ما قيل من شعر في هذه الدنيا؟ وحين يقرأ شعرا جميلا. يقول في نفسه أيضا: كيف لي أن أكتب مثل هذا، وأن أتفوق عليه فوق ذلك؟

اضافة اعلان

ويتابع زكريا في شبه بيان أصدره أخيرا أسئلته حول مسألة الجدوى. ويقول: هل للشعر من جدوى؟ وهل هو قادر على التأثير حقا؟ ثم يضيف في تساؤله: أليس من الأفضل لي أن أزرع البندورة بدل أن أكتب الشعر؟

ومن خلال تلك الأسئلة نجد أننا أمام شاعر صاحب علاقة مضطربة مع الشعر، غير أنها علاقة مع الشعر يحسمها زكريا حين يؤكد: إنه زواج كاثوليكي لا يمكن فصمه أبدا. ويضيف"لقد انتهى الاضطراب والتوتر وهدأت العلاقة وحلت الأسئلة الصعبة. للشعر جدوى ما. له ثمرة صغيرة حلوة. لكن لا يمكن تحميله فوق ما يحتمل.

يذكر أن زكريا محمد ولد في العام 1951 في قرية الزاوية الواقعة قرب مدينة نابلس. درس الأدب العربي في جامعة بغداد وأفاد كثيراً من مجتمع بغداد الأدبي النابض بالحياة والنشاط. بعد أن غادر بغداد عاد زكريا إلى الأردن حيث عمل في الصحافة وبدأ ينشر شعره في العام 1979.

صدرت مجموعته الشعرية الأولى "قصائد أخيرة" في بيروت في العام 1981 ولكنها ضاعت خلال الاجتياح الإسرائيلي لبيروت في صيف العام 1982. أصدر زكريا محمد: - قصائد أخيرة. - "أشغال يدوية" (1990) - "الجواد يجتاز اسكدار" (1994) " ضربة شمس"(2002) و"احجار البهت " 2009 كما أصدر رواية "العين المعتمة" (1996).

في هذا الحوار يتطرق زكريا محمد إلى تجربته القائمة على لغة وصفت من قبل النقاد أنها تحمل إيقاعات الحياة العربية المعاصرة ونبضها الحقيقي.

*بداية دعنا نسأل عن إصداراتك الجديدة؟

- قبل شهور صدرت لي في رام الله مجموعة شعرية بعنوان "أحجار البهت" وهي مزيج من الشعر والتخطيطات وقد سربت إلى العالم العربي بعض النسخ القليلة، وعندي الآن كتاب آخر يدور في مجمله حول الأمثال الجاهلية والأساطير، إضافة إلى عملي على تكريس موقع ثقافي فلسطيني اسمه "الفيصل".

*ماذا تقول عن مجموعة "أحجارالبهت" وإلى أين اتجهت في مضامينها؟

- هي محاولة لعلها ناجحة أردت أن أتقاطع فيها مع مجموعتي المسابقة "ضربة شمس"، حيث يجد المتلقي فيها جملة من التأملات بالأشياء المحيطة بي مثل العصافير والورود وأكياس البلاستيك التي تطير مع الهواء، إضافة إلى تأملات أخرى في الأحداث ومحاولات لتحاور مع النصوص العربية القديمة، والجدل مع شعراء عرب قدماء وكتاب عرب.

المجموعة فيها حوالي 60 تخطيطاً بالأبيض والأسود، لم أرسم هذه التخطيطات من أجل الديوان؛ كنت أرسمها متزامنة. لست رساماً لكنني أجد متعتي وراحتي حين ينهكني الشعر في الذهاب إلى الرسم، وأجدني في شبه إجازة من الإنهاك لكي أستعيد قوتي على كتابة الشعر. وهنا لا بد من القول إن تجربتي متعة، ومن هنا تحديدا أحاول فعل أشياء تمتعني، وبما أن المتعة هدفي، فأنا أكسر كل القوانين، وأستطيع أن أذهب إلى كل الفنون الممتعة لأن حدودي هي حدود متعتي.

* توصف من قبل الشعراء والنقاد بأنك كثير الانزواء والصمت إلى أين تذهب ولماذا تختفي؟

- شعري قريب جداً من الصمت، قصائدي قصيرة، وتزداد قصراً وتكاد تأكل نفسها وتترفع عن الصراع.

دائماً أقف عند سؤال الصمت وهذا السؤال يراودني في القصيدة. الصمت أكثر تعبيراً من الكلام في بعض الأحيان والصرخة قد تلوث في زمن تلوثت فيه حتى الأصوات. الصمت جزء من مسيرتي  ومن شعري. عندما أكتب أعتدي على الصمت وهذا هو الإثم الوحيد الذي أسمح لنفسي بفعله، ما عدا ذلك أحاول المحافظة على نظافتي ما أمكن في عالم ليس من السهل أن تحافظ فيه على نظافة لغتك ومقصدك، ونظافة تعاملك، ونظافة بيتك وما حولك.

ليس من السهل أن تكون نظيفاً، فأنت بحاجة إلى الجهاد، وبحاجة إلى قوة خارقة كي تظل نظيفاً.. وعزلتي التي تسأل عنها هي سعي دائم للنظافة.

* من يقرأ عن تجربتك يلاحظ أنها ماتزال غير مشمولة بالدراسات النقدية.برأيك لماذا ظلت مجموعاتك الشعرية بعيدة عن النقد؟

- بصراحة، البيئة الثقافية ليست مريحة، هي بالغالب بيئة صداقات وأنا لست غاضباً لأنني تركت كل هذا الأمر ورائي، وما عاد يعذبني. جائزتي الأولى أن يُقرأ ما أكتبه بعض الأصدقاء وهذا يكفيني. أثير الاهتمام أو لا أثير لقد تجاوزت هذا الكلام، ما يهمني أن أعمل بشكل متقن، ما عدا ذلك فكل الأشياء هامشية. أما المكانة الاجتماعية فهي موضوع آخر بحاجة إلى مواهب أخرى، وأنا كنت ولم أزل أفتقر إلى هذه المواهب.

* يلحظ أنك تتجه أخيرا إلى الميثولوجيا كيف توفق بينها وبين الشعر؟

- الميثولوجيا والشعر أخوان، ومنذ بدايات المسرح اليوناني، بمعنى أنك لا تستطيع أن تفصل بين الشعر والميثولوجيا، وكأن هدف الشعر النهائي أن يتحول إلى أسطورة، وبالتالي لا يوجد شقاق، وهذا ما دفعني نحو أساطير العرب القدماء لأن أساطير العرب جمعت كل الأساطير الأخرى ووضعتها في مناطقها.

*لن أسألك عن قصيدة النثر ومستقبلها ولكن دعني أسأل هل تعتقد أنها ستكون قصيدة الغد؟

- منذ البدايات نأيت بنفسي عن الوقوف ضمن المعسكرات المعادية بشأن قصيدة النثر والتفعيلة. ثمة حرب تدور بين المعسكرين, ابتعدت عن هذه العسكرة. أختصر موقفي بالقول حين تكتب وتتخلى عن الوزن فأنت تخسر شيئا، وعليك أن تعوض الخسارة حتى يبدو ما تقوله شعرا، أنت بحاجة إلى حيل أكثر وطرائق أوعر كي تكتب قصيدة النثر. الوزن كقيد ذهبي صريح يمكن أن تستند إليه من أجل شد انتباه الناس وجذب أسماعهم.

في النثر أنت بحاجة إلى مهارات أخرى حتى تبدو قصيدتك مكتملة.. بمعنى أن تكتب قصيدة نثر جدية أصعب بكثير من أن تكتب قصيدة تفعيلية، رغم أن الأمر يبدو عكس ذلك للناس، ولكن في نهاية المطاف هي أصعب لأنك تخسر الايقاع الوزني، وتتعذب ولكي تعوض هذه الخسارة تلجأ لأشكال كثيرة من الإيقاعات.

أعتقد أن الشعر الجميل قد يأتي داخل النثر وداخل القصة والرواية، لا أفترض أن هناك شكلاً انتهى إليه الشعر وعليه أن يقف عنده إلى الأبد. الشعر بحث دائم عن أشكال وعن طرق في عالم متغير، هو عالم الفنون والمسرح والسينما والتلفزيون وكل الفنون البصرية التي تحاصر الشعر من كل الجهات.

ولهذا أقول إن فن الشعر يكاد يضيع، وعليه الآن أن يغتصب أشياء كثيرة من الفنون البصرية لكي يعيش. مرة أخرى الشعر ملزم أن يبحث عن طرق جديدة وصرعات جديدة من دون التوقف عند خسارة الجمهور. خسارة الجمهور مكسب أحياناً، وعلى الشعر أن يكسب وينظف نفسه من الجماهيرية ومن الإبتزاز وصولا إلى التوازن الذي قد يتمثل في تجربة محمود درويش، لأن درويش مثل هذا التوازن في صيغة تحتفظ بالشعر وبالجمهور معاً. قد يرى الناس أن هذه الصيغة غير ممكنة، وقد يرى آخرون أنها ممكنة، ولكن أنا لست متأكداً من أي شيء.

*بما أنك تذكرت محمود درويش ماذا تقول في غيابه عن المشهد الشعري؟

_ المشهد الشعري من دون محمود درويش شديد النقص. درويش كان جزءاً مركزياً من الحياة الثقافية في العالم العربي. غيابه كان محزناً، ولكن التراث الذي تركه اكتمل كما اكتمل الشاعر الحقيقي بموته. علينا أن ندرس تراث محمود درويش لأنه توقف عن الكلام، وعلينا أن نفهمه وهذه المهمة النقدية لم يقم بها أحد لا على الصعيد الفلسطيني، ولا على الصعيد العربي.

ثمة شيء مفرح في غياب درويش، وهو احتفاء أمة كاملة به، وهذا الحدث النادر لم يحصل من قبل. الأمة احتفت بالمتنبي بعد وقت طويل من ذهابه. أما محمود فقد احتفت به حيا وميتا.