"زهرة الحكايا" العُمانية: حكاية الموت خارج القفص والتحرر من الظلم

سوسن مكحل 

عمان- عرضت مساء أول من أمس المسرحية العُمانية "زهرة الحكايا" على خشبة مسرح هاني صنوبر " الرئيسي" بالمركز الثقافي الملكي، ضمن فعاليات مهرجان المسرح الأردني بدورته الحادية والعشرين.
واستطاعت المسرحية التي أخرجها واعد السينوغرافيا فيها يوسف البلوشي أن تصل إلى الجمهور بسلاسة القصة التي وظف المخرج حكايتها بشكل جميل إلى الحد الذي تفاعل معها الحضور.
وتحكي قصة "زهرة الحكايا" التي قدمها مسرح "مزون" ومن تأليف عباس الحايك، حكاية فتاة أصابها مرض "الصلع" منذ طفولتها فسجناها والديها بالبيت خوفا عليها من المجتمع المحيط.
الفتاة "زهرة" التي ظلت ترزح خلال العرض خلف قفص وظف لخدمة الممثلة التي أدت دورها وفاء البلوشي بحرفيّة، أوصلت معاناتها مع هذا الحبس القاتل الذي زرعه الأهل في روحها قبل جسدها.
خلال العرض تحاول الفتاة أن تتعايش مع واقعها المؤلم؛ حيث ترفض أن تخرج إلى "الحوش" وكأنها مستسلمة بالوقت الذي يخبره والدها فيها أن هناك عرسا في الحيّ لصديق طفولتها.
الفتاة التي بلغت ثمانية عشر عاما نصفهم في السجن "البيت" ، خوفا من العالم الخارجي كما أقنعاها والديها، تروي معاناة الطفولة في حياتها لكونها ولدت أنثى.
وتذهب الفتاة بأسلوب خيال الظل إلى ذكريات طفولة مشوهة بين رفض الوالد خروجها ولعبها لأنها فتاة، إلى جانب منعها من الرقص لكونه سيعلمها الابتعاد عن الأخلاق.
زهرة التي تسترجع شريط ذكرياتها وهي طفلة تلعب مع "العريس" المرتقب صديق طفولتها "علي" الذي سيتزوج صديقتها أيضا، راحت تعاني ويلاتها حاليا وكيف أمست صلعاء لا تخرج لا تعيش ولا تموت فأي حياة، كما جاء على لسانها.
المشهد الذي تحمل فيه "زهرة" قفصها وسجنها وتراقصه على أنه الشاب الذي أحبت، تحوّل في لحظات إلى حلم وسعادة وهي تحمله وتراقصه وتعيش لحظاتها داخل هذا القفص.
مشهد مؤثر درامي لفتاة تحلم أن ترى "الخارج" على حقيقته وسط رفض الأهل خوفا عليها من أقاويل المجتمع التي بنظرهم قد تقتل ابنتهم.
الحقيقة أن الفتاة ميتة بالنسبة للمجتمع، إلا أن إصرار الأهل على حبس الفتاة يحمل الكثير من المعاني ومنها محاولة إظهار تسلط المجتمع الذكوري واستكانة الأم "الأنثى" ورضوخها للزوج في موافقته الرأي متناسية ابنتها.
وتحاول "زهرة" مع شقيقها الذي يبدو كما ظهر بالعمل أقل عنفا من والديه، ويحاول إيجاد علاج لشقيقته؛ أن تقنعه أنها تود الخروج للذهاب إلى عرس صديقتها "ليلى" والتي تظل بين الفينة والأخرى تستذكر شعرها وتتحدث عن جماله في مفارقة واضحة لكونها فقدت شعرها ومعه كل حياتها ومصيرها.
تصر "زهرة" على الخروج من هذا الحصار المشؤوم فتحاول أن تقنع والدتها التي تزجرها ويأتي والدها رافضا هذا الخروج الثقيل، والذي قد يفضح سرّ كبير ويؤدي بالعائلة إلى التهلكة.
"زهرة" فتاة مصرّة أن لا تموت داخل القفص حتى لو كان الخروج هو "الموت"، فلن تموت داخل هذا القفص، فتعمل بعد محاولات حسبها التي ضاقت أكثر وأكثر لحبس عائلتها داخل هذا القفص؛ لتخرج وقبل أن تتخطى جدارا وظفه المخرج بطريقة فنية يصوب الأب مسدسه على ابنته ويقتلها مباشرة.
"زهرة" حكاية متكررة في كثير من العائلات العربية مع اختلاف أسباب الحبس القصري لهن، فزهرات المجتمع العربي محكوم عليهن بالموت إما داخل القفص أو خارجه من كلام المجتمع.
لم يكن "قفص" زهرة من حديد فقط، بل بدأ يكبر حتى كسّر أضلعها وكوّن لديها شعور بالاستسلام الذي رفضته، وها هي تموت خارج القفص وتحقق حريتها بعيدا عن "ظلم الإنسان".
السينوغرافيا التي صنعها المخرج على الخشبة كانت ملائمة للعرض، وعمق المسرح كان كفيل بشد الجمهور نحو سرد القصة وحديث العرس، وأصوات الأغنيات ورقص البطلة على أنغام الأغنيات المأخوذة من التراث العُماني.
ولربما أراد المخرج في إحدى أغنيات الأعراس أن يوظف معنى سياسي حين صدح صوت الفرقة بكلمات "يا ناس صلوا على النبي محمد وابن عمه علي" في مناشدة لردم هوة الفرقة بين المذاهب المتواجدة على الساحة، وهي إن قصدت فهي التقاطه للمخرج وإضافة مميزة تحسب لصالحه في الدعوة إلى عدم "ظلم" الإنسان وليس زهرة فقط.
واختتم العرض بسينوغرافيا مدهشة وظل شجرة خلف جدار الخوف والانتظار، وظلت الفتاة صلعاء ترقص على أنغام توحي وكأنها جنة الفتاة الصغيرة.
وستظل حكاية زهرة "زهرة الحكايا" والمسرح العُماني عام تلو آخر يثبت جدارة متوقعة وتطوّر ملموس وأعمال فنية راسخة تنقل تراث وقصص العالم الداخلي والذي يتقاطع مع قصص عربية ويقدم الجميل للخلاص من الظلام والظلم والسوداوية.
صحيح أن المسرحية تنجه نحو التراجيدية بشكل لافت وكئيب أحيانا، إلا أن الواقع يحتم أحيانا نقله من دون زوائد أو نقصان، وهي حالة قد تروى لآلاف السنين عن قصة فتاة لم تخترق الجدار وتخرج، لكنها كانت حيّة لدقائق خارج قفصها وماتت بعيدة عنه، وكم منا يحلم أن يموت بعيدا عن القفص الذي وضعه الآخرون فيه.
وأدى العمل كل من؛ وفاء البلوشي، مشعل العويسي، زينب البلوشي، عيسى الصبحي، الموسيقى يوسف الحارثي، العازف عود سالم الحمادي، الإيقاعات حاتم السعدي، الديكور محسن الصبحي، إدارة المسرحية محمد الصالحي وجليلة الفهدية، الإشراف العام سيف السيابي وعبد الغفور البوشي، مساعد المخرج عبدالله البوسعيدي، التصميم الفني حمد السليماني.

اضافة اعلان

[email protected]