زواج رأسين بالمال

أحبَّها بمجرَّدِ أنْ شاهدَها في حفل زفافِ صديقه، وهي قرأتْ بدقَّةٍ نظراته في حفل زفاف صديقتِها، فأبدَتْ (بناءً على نواياه الحسنة البادية في نظراته ذات الأغراض الشريفة) موافقة مبدئيَّة أرسلتْها في اليوم التالي مع "واسطة الخير"؛ الفتاة التي يمرُّ القطارُ دائما من جانبها، وهي بدورها حملتْها إلى "وسيط خير" يركبُ دائما القطار الذي يذهب إلى المحطة الخاطئة.. وصلتْ الرسالة في وقت مبكِّرٍ، وبدأت الإجراءات إلى "سنَّة الله ورسوله" بوقت أقصر من التثاقل عن ضغط زرٍّ أملس!اضافة اعلان
أخبرتْ أمه العجولة والدَه المتكاسل الذي حاوَلَ أنْ يُفهمها بهدوءٍ ممل أنَّ الزواجَ أعقدُ من عملية شراءِ أثاث بيت الزوجية، لكنَّها استخدمت أذنها الأولى التي من طين، والثانية التي من عجين، حتى إذا ما انتهى من محاضرة "التأنِّي السلامة"، عاجلته بخبَرٍ مباغتٍ مفاده أنها أخذتْ موعداً من عائلة الفتاة ذلك المساء، أرفَقته بشرح مختصر عن الفوائد الكامنة في القول الشهير "خير البرِّ عاجله"!
وافقَ أهل التي صارت "العروس" بعد مفاوضات سلسة مع عائلة الذي أصبح "العريس"..؛ وكلُّ الأمور التي بدَتْ أنَّها "عالقة" تمَّ حلها قبل أنْ تتعقد بـ"شيك" فادح البياض..؛ وهكذا لم تُرحَّلْ أيُّ قضية إلى "الوضع النهائي"، الذي كان نهاية الأسبوع، حيثُ استقبلتْ جاهةٌ على رأسِها وزيرٌ متقاعدٌ، أخرى أكثر شأناً يتقدمها وزيرٌ على رأس وزارته. جرى حديثٌ متفائلٌ عن المرحلة السياسية المقبلة، وإمكانية تجاوز "الظرف الدقيق" بأقل التكاليف، مع تبشير لا يتسم بالحذر، يفيدُ أنَّ ما بعد "المخاض العسير" ولادةٌ اقتصادية جديدة تحملُ اسم "الرخاء" وتكون ناتجة عن زواج "رؤوس الأموال" الوطنية والأجنبية. لم يكن إذن ما يدعو للقلق على مستقبل العروسين؛ فقرأوا جميعا "الفاتحة" وراءَ الذي يجمعُ الرؤوس عادةً في الحلال!
ذهبوا إلى السوق: "العِرْسان" وأمهاتهما وأخواتهما. اشتروا ذهباً (بوزن امرأة رشيقة لم تلبس خاتماً في حياتها) وملابس (تكفي لكسوة الطالبات المتفوقات في كلية التربية اللواتي لم يغادرن حدود محافظة ما)، وأثاثا متكاملا (من كلِّ زوجين اثنين أو أكثر) وعطورا وإكسسوارات وأحذية وعلب تجميل (..وكل ما لزِمَ أناقة الفنانات اللواتي ظهرنَ في مسلسل "مطلوب رجال" بأنوثة مُكْتَمِلة). ذهَبَ "العِرْسان" إلى وكالة لشراء سيارتين (مصروف وقودهما السنويِّ يعادلُ متوسط سعر السيارة التي يستطيع الأردنيون اقتناءها بدون تكاليف الوقود)!
"عش الزوجية" كان بيتاً من طابقيْن وحديقة ومسبح و"عش" للحارس وزوجته وأبنائه دون سن العاشرة. وفي البيت طباخٌ غادرَ الخدمة من فندق بأربع نجوم، وخادمة من دولة آسيوية أقل شأنا بقليل من "اليابان"، ومديرة منزل تتكلم اللغات التي لا يحتاجها "العرسان" وأي من أقربائهما الذين سيأتون لزيارتهما، وحيوانٌ مروَّضٌ كثير الضجَر والطلبات التي لا يطلبُها صراحَةً، وسائقٌ مسكينٌ تناطُ به كلُّ مهام القيادة على الطرق الخارجية..؛ هؤلاء كلهم طيبون جدا ولا ينالون أكثر من الرواتب الشهرية لموظفي وزارة خدميَّة مع راتب "عطوفة الأمين العام"!
وأقيمَ العرسُ المنتظرُ في فندق يحمل اسما صعب النطق (ما يعني أنَّ تكلفة ليلة الزفاف كانت صعبة الحساب على كاتبٍ مثلي!) وأحياه فنانٌ عربي (بآلاف من الدنانير التي هي أقل بالطبع من سعره الحقيقيِّ في سوق "الكاسيت" المضروب)، وأقيمت على هامشه وليمة من المناسف (تكفي لإطعام محافظة نائية بأقضيتها وألويتها مدة زمنية محدودة)..؛ وانتهى العرسُ بفرح غامر (لا يملأ جَيْبَ منطقة من جيوب الفقر في المملكة)!
..انشغلَ الوزيرُ الذي كان متقاعداً في منصبه الجديد في الوزارة الجديدة لعبور "المرحلة الصعبة"، بينما انهمَكَ الذي كان على رأس وزارته مع أناس مهمِّينَ آخرين، من بينهم المأذون الذي يجمعُ الرؤوس بالحلال، لحلِّ الخلاف المستعصي بين العروسين..؛ ذلك الذي أنهى العلاقة الزوجية السعيدة، بعد شهر ناقص العسل، لخلاف بسيطٍ في "التركيبة الكيميائية" بينهما!

naderrantisi2@