زيارة بايدن.. هل تنهي إهمال واشنطن للمنطقة؟

زايد الدخيل

عمان- بعد سنوات طويلة من وضعها في مرتبة متأخرة في سلم الأولويات، تنتظر منطقة الشرق الأوسط زيارة الرئيس الأميركي المرتقبة جو بايدن نهاية الشهر الحالي.

اضافة اعلان


بايدن، الذي يبدو كما لو أنه ينتهج سياسة استرضائية مع الجميع في الوقت الراهن، يريد بالتأكيد أن يضمن حلفا أو تأييدا ضد روسيا وغزوها لأوكرانيا، وقد تضمن له الزيارة تحقيق حشد من الرأي العالمي معه.


ومع الخطوة الجديدة، إلا أن سياسة الخارجية الأميركية ما تزال تحتفظ بـ"ثوابتها" تجاه الملفات في المنطقة، فرغم تأكيد وزير الخارجية أنتوني بلينكن للرئيس الفلسطيني محمود عباس التزام إدارة بايدن بإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس التي أغلقها الرئيس السابق دونالد ترامب في 2018، إلا أن ملفات فلسطينية أخرى ما تزال مسكوتا عنها، مثل رفع منظمة التحرير الفلسطينية عن قائمة الإرهاب، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وأن تعود واشنطن وسيطا نزيها في عملية السلام المتوقفة.


أكثر من ذلك، فواشنطن تضع مسألة أمن إسرائيل فوق جميع القضايا العالقة في المنطقة، وحتى في تعاملها مع إيران، فهي تريد ضمان أن لا يؤثر التمدد الإيراني على أمن إسرائيل، ما يبقي يد طهران طليقة في اليمن والعراق وسورية ولبنان والممرات المائية المهمة في المنطقة.


ورغم سعيها لإحباط محاولات التحول النووي الإيرانية، إلا أن محللين يستبعدون امتلاك واشنطن رؤية ناجزة وشاملة لملفات المنطقة جميعها.


وزير الإعلام الأسبق سميح المعايطة، يرى أن انتهاء إهمال واشنطن للمنطقة يتحقق "إذا كانت محصلة الزيارة نقلة نوعية في معالجة أزمات المنطقة"، خصوصا الملف الفلسطيني.


ويقول "ملفات الزيارة هي ملفات الإقليم، ومدى انتهاء الإهمال ستقرره طبيعة نتائج الزيارة"، مفضلا التريث وانتظار النتائج التي لا شك تختلف عن الرسائل أو التصريحات العامة.


ويضيف "الجزء المهم أيضا يتعلق بالعلاقات مع السعودية، وهي علاقات شهدت تقلبات خلال عهد بايدن"، لكن الملف الذي يعني بايدن، بحسب المعايطة، هو ملف النفط، خصوصا بعد نتائج حرب أوكرانيا على الطاقة في العالم وأوروبا تحديدا.


"قد تشهد الزيارة لقاء مع قادة عرب"، يقول المعايطة، و"من المهم أن تكون استجابات واشنطن لما سيطرحه العرب حقيقية".


ويتساءل "كيف ستكون استجابة واشنطن للملف الإيراني الذي سيكون حاضرا بقوة، وستدفع إسرائيل بأن يتصدر الملفات في مقابل إهمال القضية الفلسطينية؟".


وتوقع المعايطة أن يزور بايدن القدس الشرقية المحتلة، متسائلا أيضا عن الزخم السياسي لهذه الزيارة، خصوصا في ظل الرفض الإسرائيلي.


الوزير الأسبق هايل داوود يبين أن بايدن يتوجه إلى الشرق الأوسط في أول زيارة له للمنطقة "وسط أنباء عن إمكانية عقد اجتماع لقادة عرب مع الجانب الإسرائيلي، دون تحديد مكانه"، موضحا أن الزيارة تأتي في وقت كانت إدارة بايدن أهملت منطقة الشرق الأوسط نسبياً واتجهت للاهتمام بملفات أخرى بعد إعادة ترتيب أولوياتها الخارجية.


ويستعرض هايل التصريحات الأميركية الماضية التي أقرت أن "مواجهة الصين وروسيا وطموحاتهما والملفات الاقتصادية هي أكثر الأولويات لدى إدارة بايدن". ويشير إلى أن خلافات الإدارة الأميركية مع بعض الدول العربية، خصوصا دول الخليج العربي، إضافة إلى تركيا، كان لها دور مهم في ابتعاد السياسة الأميركية عن المنطقة.


ويرى داوود أن سياسة واشنطن في المنطقة ستنشأ من مبادئ السياسة الخارجية الأوسع، وأبرز عناوينها إعادة بناء النظام الدولي الليبرالي-الديمقراطي، الذي بنته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وتعزيز الديمقراطية في أرجاء العالم والانتصار في المنافسة الدولية حيال الصين وروسيا.


ويقول إنه رغم تعلق الولايات المتحدة المتقلص بالنفط في الشرق الأوسط، ما تزال لواشنطن مصالح متواصلة في المنطقة، مثل: أمن إسرائيل، والتدفق الحر للطاقة، ومنع التحول النووي لإيران، والحرب ضد الإرهاب، كما تسعى الولايات المتحدة إلى مزيد من التوازن بين مستوى التزامها بالاستقرار والحرية والأمن في المنطقة وبين الغرق في المواجهات التي تقضم من القوة الأميركية.


رئيس جمعية العلوم السياسية الدكتور خالد الشنيكات، يرى أن الصراع في أوكرانيا فرض تغيرات جديدة رغم قيام إدارة الرئيسين السابقين باراك أوباما ودونالد ترامب بالانسحاب التدريجي من المنطقة وعدم الاكتراث بملفاتها وإعطاء أولوية للصين ولمنطقة الباسفيك.


ويقول "لكن مرة أخرى يبدو أن حرب أوكرانيا فرضت تغيرات جديدة فيما يتعلق بأهمية النفط"، ويبين أن الاتحاد الأوروبي يسير بشكل تدريجي للاستغناء عن النفط الروسي، ما يتطلب البحث عن بديل، وهو الخليج العربي تحديدا. هذا الملف بالتحديد يجعل الشنيكات واثقا من "إعادة النظر بأهمية هذه المنطقة إستراتيجيا للمصالح الغربية"، كما "يثبت أن النفط هو السلعة الرئيسة للعديد من الدول حتى اليوم".


الشنيكات لا يبدو متفائلا حيال الملفات التي يحملها بايدن "لا أعتقد أنه سيركز على أكثر من العلاقات الثنائية بين الدول؛ كل دولة على حدة"، وبالنسبة للصراع الجوهري في المنطقة؛ القضية الفلسطينية، فربما يقدم تسهيلات للفلسطينيين في موضوع تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وتقديم دعم فني ولوجستي للسلطة الوطنية الفلسطينية، "لكنه لن يبحث في حل حقيقي، عكس ما تحدث عنه في بيانه الانتخابي، وهو الدولة الفلسطينية".


ويوضح "لا أعتقد أن إدارة بادين تولي هذا الملف أهمية خاصة، بالعكس فهي تنظر إليه بضرورة إبقاء المنطقة تحت بند ضمان الاستقرار وليس حل المشكلة.


أمن المنطقة، وإيران ملفان سيكونا حاضرين، يقول الشنيكات، إذ ستطرح الدول المعنية بالملف مسألة التحديدات التي تفرضها السياسة الإيرانية في المنطقة وما ينجم عن هذه السياسة، كما سيتم طرح مدى التزام واشنطن بأمن المنطقة وحمايتها، إضافة لتأكيد بايدن أهمية العلاقات الإستراتيجية مع دول الخليج، والتأكيد على إعادة تقويتها وتعزيزها.


ملفات عديدة يمكن للرئيس بايدن أن يعمل على "حلحلتها" في المنطقة، يقول خبراء. لكنهم يرجحون أن ما يعني الإدارة الأميركية فعلا، هو الانتصار في المنافسة الدولية حيال الصين وروسيا؛ سياسيا واقتصاديا، بينما بوصلة واشنطن لن تحيد أبدا عن تل أبيب.

إقرأ المزيد :