زيباري الكردي نصف الأردني!

تنشر صحيفة "الحياة" اللندنية، منذ أيام، حلقات من حوار مطول مع وزير خارجية العراق هوشيار زيباري، أجراه رئيس تحريرها الأستاذ غسان شربل، يروي فيه محطات من تجربته في وزارة الخارجية التي تولاها منذ عشر سنوات.اضافة اعلان
زيباري ما يزال في منصبه وزيرا لخارجية العراق، وربما يكون هذا هو الجانب المثير في اللقاء. إذ لم يسبق لمسؤول رفيع المستوى أن تحدث للإعلام بهذا الطلاقة والصراحة وهو ما يزال على رأس عمله؛ لا بل إن غالبية المسؤولين العرب، خاصة وزراء الخارجية، يلتزمون الصمت طوال حياتهم، فيما قلة منهم يكتبون مذكراتهم بعد أن يغادروا مواقعهم. زيباري فعل العكس تماما؛ إذ روى تفاصيل شيّقة عن اجتماعاته مع قادة دول عربية وأجنبية، وكشف كواليس اللقاءات السرية والعلنية معهم، وكلهم تقريبا ما يزالون على قيد الحياة.
لا شك في أن ذلك سلوك نادر من سياسي عربي، شغل موقع المسؤولية في واحدة من أكثر المراحل حساسية وخطورة في تاريخ العراق.
تكشف الحلقات الثلاث المنشورة من الحوار شخصية مختلفة عن تلك الصورة النمطية التي رسمها الإعلام العربي لهوشيار زيباري إبان توليه موقعه. كان الانطباع السائد عن الرجل أنه مجرد "عميل"، نصّبه الاحتلال الأميركي في حكومة دُمى. وفي ثنايا الحوار، يتبدى حجم المعاناة التي واجهها زيباري بسبب هذا الانطباع السائد عند زعماء دول عربية.
وكون زيباري كرديا، فإن ذلك كان كفيلا بجعله شيطانا في نظر أوساط القوميين العرب المتعصبين، وجمهور عريض تأثر كثيرا بخطاب الكراهية في وسائل الإعلام العربية.
بدا زيباري من خلال الحوار شخصا متصالحا مع نفسه ومع شعبه متعدد الإثنيات والطوائف؛ كردي وزيرا لخارجية بلد أغلبية مواطنيه عرب. لم لا؟! وفي تاريخ العراق تحديدا أمثلة كثيرة ومشرقة على ذلك التنوع.
وفي السياسة، ظهر زيباري خبيرا متعمقا في شؤون بلاده والعالم العربي، ودبلوماسيا من طراز رفيع، تمكن من فرض نفسه على نحو ساعد العراق على استعادة دوره في المحافل العربية والدولية.
لا يستطيع زيباري وأمثاله من رجال الحكم في العراق أن ينكروا أنهم وصلوا بفضل الغزو الأميركي، لكنهم فيما بعد قرروا أن يتجاوزوا هذه العقدة، وسعوا بجد إلى تحرير بلادهم، وكان لهم ذلك. ومن يتابع مسار العلاقات العراقية-الأميركية المتدهورة اليوم، سيُصاب بالدهشة؛ فمن كان يتصور أن مسؤولا عراقيا يمكن له أن يرفع رأسه بوجه رئيس أميركي!
من يتابع المشهد في المنطقة يلاحظ أن تبعية بعض الدول لأميركا وسياساتها في المنطقة تزيد بكثير عن العراق الذي كان حتى الأمس القريب يخضع لحكم قوات المارينز.
يُعرّج زيباري في حواره على علاقاته الخاصة مع الأردن، ويصف نفسه بالقول: "أنا نصف أردني"؛ فقد درس في الجامعة الأردنية بمنحة من الديوان الملكي كما قال. ويروي تفاصيل عن لقاءاته بالملك عبدالله الثاني، ومشاكل العراقيين في الأردن. ويشير إلى دور المخابرات الأردنية في قتل الزرقاوي، إذ يكشف في هذا الصدد عن أن اعتقال الأردن لأحد المقربين من الزرقاوي ساعد القوات الأميركية في تحديد مكانه وتصفيته.
من يجرؤ من وزراء الخارجية العرب على رواية تجربته مثل زيباري؟

[email protected]