سؤال ما بعد الانسحاب الروسي

كما شكل التدخل العسكري الروسي الكاسح في الحرب السورية قبل ستة أشهر مفاجأة شغلت الجميع، تعود روسيا، ورئيسها بوتين اليوم، إلى إدخال الجميع في دائرة من التحليلات والتكهنات، والمواقف المتناقضة أيضا، بعد قرارها المفاجئ بسحب عصب قوتها العسكرية الرئيس من سورية، وإعلانها تحقق أهداف تدخلها. اضافة اعلان
لن نقدم تحليلا جديدا لينضاف إلى سيل التحليلات والسيناريوهات العديدة، المتباينة والمتناقضة في الكثير منها التي ملأت الفضاءات والصحف عن الخطوة الروسية المفاجئة، رغم الاتفاق بين الجميع على أنها خطوة جوهرية ومفاجئة، فيما يتوقع أن تكشف الأيام وتطورات المستقبل القريب خلفيات وأبعاد هذه الخطوة، وربما تداخلها مع اتصالات وتوافقات دولية وإقليمية من تحت الطاولة، تحديدا بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية.
قد تبدو الزاوية المهمة التي تحتاج اليوم إلى توقف طويل واستخلاص العبر منها فيما يتعلق بالأزمة السورية، التي أحيا السوريون أول من امس، الذكرى الخامسة لانطلاقتها، بالتزامن مع الخطوة الروسية، هي في الصورة التي عرّاها التدخل الروسي القوي في أيلول (سبتمبر) الماضي، لصراع المحاور والأطراف الإقليمية على الأرض السورية، ومن خلال دماء الشعب السوري، وعبر حروب الوكالة أو التدخلات المباشرة.
رغم تباين الآراء والمواقف تجاه التدخل العسكري الروسي خلال الأشهر الستة الماضية الذي لا تستبعد عودته بصورة ما، ضمن سيناريوهات وظروف ما، فقد أنتج هذا التدخل بالمحصلة، وبتوافق وتنسيق واضح مع القوة العظمى الأخرى، الولايات المتحدة، هدنة عسكرية بين الأطراف المتحاربة، لم يكن أحد يتوقعها، فضلا عن جرّ هذه الأطراف إلى فيينا وجنيف، للتفاوض والبحث عن حل سياسي للأزمة.
إذن، ما يمكن استخلاصه اليوم هو أن التدخل الدولي، من روسيا عسكريا، والذي استتبع موقفا سياسيا أميركيا جديدا إلى حد كبير، قد حرص على تحييد نفوذ وقوة القوى الإقليمية المتصارعة على الأرض السورية، والتي كانت حوّلتها ساحة صراع يأكل الأخضر واليابس، وميدانا للمقامرات والمغامرات، ولم يتورع بعضها عن الاستثمار بالإرهاب وفتح سورية أمام جميع أنواع السلاح والمقاتلين، إلى أن خرج وحش "داعش" ليصفع بإرهابه ووحشيته وجوه الجميع.
انتقال مفاتيح الصراع والحل إلى الدائرة الدولية، الروسية والأميركية أساسا، وتحييد الدائرة الإقليمية، أثمر اليوم بالوصول إلى فرض هدنة عسكرية ممتدة منذ أسابيع، ويتوقع لها أن تطول، تسير بالتوازي مع تواصل الحرب ضد "داعش" و"النصرة"، كما أثمر في تحريك عملية الحل السياسي رغم تفاصيلها الشائكة والعراقيل المتوقع ظهورها قبل الوصول إلى الحل النهائي.
وقد يكون أفضل من عبّر، بصورة غير مباشرة، عن هذه المفارقة وانتقال الأزمة السورية من دائرتها الإقليمية إلى الدولية بفعل "التسونامي" الروسي، هو أمين عام الامم المتحدة بان كي مون، في تصريحه قبل يومين، بمناسبة مرور خمسة أعوام على اندلاع الأزمة، عندما قال إن "الحرب في سورية كان من الممكن تجنبها، لو أن القوى الإقليمية، لم تستغل النزاع كميدان معركة لتصفية حساباتها". وأضاف موضحا أن "القوى الإقليمية تتحمل اللوم على إذكاء الحرب في سورية"، و"كان من الممكن أن تتحد الأطراف الإقليمية والدولية لمساعدة سورية على الاستقرار، بدلا من استغلالها كميدان معركة لتصفية الخصومات الإقليمية والتنافسات الجيواستراتيجية".
الراهن اليوم، ان السؤال عند التدقيق بخطوة الانسحاب الروسي، هو إنْ كانت الديناميكية التي أطلقها التدخل الروسي، بقبول او توافق أميركي، وتأييد أوروبي ودولي، بنقل الصراع والحل في سورية إلى دائرته الدولية، وتهميش الدائرة الإقليمية، ستستمر بعد الخطوة الروسية الجديدة، أم لا؟ الإجابة بنعم أم لا ستتكفل الأيام والأشهر المقبلة بتحديدها، ليصبح الحكم على القرار الروسي الأخير ممكنا وواضحا.