ساحة للحريّة

تعاني المجتمعات العربية، ومنها مجتمعنا الأردني من مجموعة لا بأس بها من الأزمات الطاحنة، منها السّياسية والاقتصاديّة والثقافيّة. بعض هذه الأزمات يتمّ تداوله والحديث فيه، والبعض الآخر يتم إقصاؤه وترحيله، لكننا في المحصّلة النهائية لا نكاد نعثر على حوار جاد وحقيقي يتناول هذه الأزمات ويحلّلها تحليلاً علميّاً عميقاً. السّبب في ذلك ربّما يعود إلى مجموعة من العوامل، والتي ربّما يكون على رأسها غياب مراكز البحث التي تستقصي وتدرس ما نتعرّض له، أو ما يدور حولنا في هذه اللجة الكونية المتلاطمة.

اضافة اعلان

الأمر الآخر الذي فاقم هذه الأزمات وفتحها على مصراعيها، هو الحقبة التاريخية الجديدة التي ولجت إليها البشرية في العقدين الأخيرين، والتي تتمثّل فيما اصطُلِح على تسميته بالعولمة، فقد فاجأتنا رياح التغيير الجديدة، القادمة إلينا من مختلف الجهات، وهزّت ثوابتنا بشدّة، وصار المطلوب منّا مواجهتها، والتّعامل معها بروح جديدة وأدوات جديدة، تأخذ في الحسبان منطق العصر والتّطوّر.

لا أعرف من أين خطرت على بالي فكرة إنشاء ساحة للحريّة، التي هي فكرة نبيلة بحدّ ذاتها، ويمكن لنا بواسطتها أن نجترح تجربةً رائدة ومتميّزة، ليس على مستوى المنطقة، ولكن على مستوى العالم. لقد تردّد صدى هذه الفكرة قبل عدّة سنوات بشكلٍ خافت، ولكننا مررنا عليها مرور الكرام، فلم نلتقطها، ونتداولها بشكل حاسم، ولذلك فقد بقيت تلك الفكرة مثل غيرها من الأفكار الكبيرة مجرّد كلام على ورق.

الآن، وفي ظلّ هذا المفصل التاريخي الذي نمرّ به، دعونا نفكّر بصوت عالٍ: لماذا لا تكون لدينا ساحة للحريّة؟ ثمّ قبل هذا وذاك لماذا نخجل من طرح هذا السؤال، الذي تصبّ إجابته في المصلحة العامّة؟ المسألة الأخرى التي تفرض نفسها بشكل حاسم تتمثّل في الهواء الحرّ الذي بات يتحرّك حولنا، والذي تتلاطم أمواجه بالمعلومات، والذي أصبح يمثّل بصورة من الصّور ساحة رمزيّة للحريّة. لقد أصبحت شاشات الكمبيوتر الصغيرة بمثابة أروقة للحوار، وبواسطتها أصبح بمقدور الأفراد والجماعات أن تعبّر عن رأيها في أدقّ المسائل حساسيّةً وسخونةً، فلماذا لا نعمل على إنشاء تلك الساحة كمكان، ونطرح كلّ شيء في الهواء الطّلق؟!

ثمّة قضايا كثيرة مسكوت عنها، لا يتداولها أحد بشكل علني وصريح. هذه القضايا إن بقيت حبيسة الرؤوس والجلسات المغلقة ستؤدّي إلى مرض عضال في جسد المجتمع. إنها تسبب مزيداً من الاحتقان في شرايين وأوردة الأمّة، وفي لحظة ما تتخلّق على هيئة سكتات دماغية وقلبية تشلّ النسيج العام، فتودي بحياة الدّول!

لو كنت مكان مؤسّسات المجتمع المدني، لوضعت فكرة إنشاء هذه السّاحة موضع الأولويّة، في قائمة الأهداف الكبيرة التي نسعى لتحقيقها. أمّا عن المكان فيمكن اختياره بالتّوافق، والتّخطيط لبناء قاعاته ومرافقه، وتجهيزه بالتقنيات والكوادر اللازمة، بما ينسجم مع متطلّبات العصر.

إنّ إنشاء هذه السّاحة كفيل بإحداث نقلة حضارية في تاريخ هذه البقعة العزيزة من وطننا العربي الكبير، فهي من جهة ستكون عنواناً عريضاً للديمقراطية، ولتبادل الأفكار الخلاقة، واحترام الرّأي والرأي الآخر، وهي من جهة أخرى ستكون بمثابة برلمان خلفي يقيس الرأي العام، ويؤشّر عليه، خاصّةً في المسائل الخلافية.

لقد آن الأوان لدراسة هذا المشروع بجديّة بالغة، من أجل الخروج به لاحقاً إلى النّور. وفي حال التحقّق سنكون على أعتاب مرحلة جديدة ستنتقل بنا إلى مصافّ الدول التي تحترم حرية الإنسان.

[email protected]