سارعوا قبل نفاد الوقت

بعد أن كان على وشك الموت منتحرا من على جسر عبدون، تدخل وزير العمل ليمنح الشاب خالد العجالين فرصة الحياة من جديد. بـ"مبادرة إنسانية" من الوزير، تم توفير فرصة عمل "كاشير" في "كارفور"، وبراتب 250 دينارا؛ كما ورد في خبر "الغد". ليس هذا فحسب؛ فالشاب الحاصل على بكالوريوس إدارة أعمال، سيحصل على تأمين صحي وضمان اجتماعي. وأكثر من ذلك، سيحقق حلمه بالزواج، ويبني أسرة سعيدة. كل هذه المفاجآت السارة حصلت في رمشة عين!اضافة اعلان
لم نتبين من الخبر المقتضب إن كان الوزير حضر شخصيا إلى جسر عبدون ليقدم العرض السخي للشاب أم لا. لكن هذا الغموض أضفى مزيدا من التشويق على الحبكة الدرامية لقصة عادة ما نشاهدها في الأعمال السينمائية.
بهذه السهولة، إذن، يمكن التغلب على مشكلة البطالة التي "دوخت" الحكومات المتعاقبة؛ يعتلي الشباب الباحثون عن عمل جسر عبدون أو بناية في عمان، فيهرع الوزراء لتوزيع الوظائف عليهم حسب اختصاصاتهم، لا بل يباشرون العمل في نفس اليوم! هل سمعتم عن حل أسرع من هذا لمشكلة البطالة؟!
بعد اعتماد آلية التهديد بالانتحار للتعيين وإشغال الوظائف في القطاعين العام والخاص، لم يعد هناك مبرر لوجود ديوان الخدمة المدنية، ولا أن يكلف المرء نفسه بطرق أبواب الشركات لتقديم الطلبات وحضور المقابلات، ما دام بالإمكان الحصول عليها مكرّما معززا من على جسر عبدون.
لكن على مهلكم، لا تصدقوا كلامي هذا، فالمسألة ليست بهذه البساطة. الظرف خدم الشاب العجالين، فهو على الأرجح لا يعلم أن الوزراء هذه الأيام مستعدون لتقديم الخدمة للمواطنين في منازلهم "دليفيري"، على أمل أن يرضى عنهم النواب ويوافقوا على استمرارهم في مواقعهم الوزارية.
هذه هي الحبكة الحقيقية في فيلم "الانتحار على جسر عبدون". ولولا ذلك، لما التفت أحد للشاب إلا بعد أن يصبح جثة هامدة تحت الجسر، فيلقى ذات المصير الذي انتهى إليه من قبل شباب ألقوا بأنفسهم من على الجسر، أو أشعلوا النار بأجسادهم، ولم يسأل عنهم الوزراء.
يفصلنا عن تشكيل الحكومة الجديدة أسبوعان أو ثلاثة، وهي فرصة ذهبية لا يمكن تعويضها؛ كل من لدية مظلمة عند وزير أو مسؤول، ومن يبحث عن فرصة عمل ولا يجدها، عليه أن يبادر على الفور إلى مراجعة الوزارة المعنية، ويتوجه إلى مكتب الوزير مباشرة، ليرى بنفسه مستوى "الرعاية الإنسانية" التي سيحظى بها. وإذا لم يكن الوزير في مكتبه، وتعذرت مقابلته، أو امتنع لسبب من الأسباب، فما على المواطن سوى أن يعتلي سطح بناية أو التوجه على الفور إلى جسر عبدون مهددا بالانتحار. وعندها لن يفاجأ إذا ما وجد الوزير ماثلا بين يديه. ففي مثل هذه الحالات لن يجدي إرسال مندوب ليرعى الحدث نيابة عن الوزير؛ المطلوب أن يلتفت النواب إلى وجود الوزير، ومبادراته الإنسانية، وقدراته على معالجة المشاكل وحلها، فتتسابق الكتل النيابية على ترشيحه لولاية ثانية وثالثة!
الوزراء هذه الأيام في قمة عطائهم الإنساني؛ لا يغيبون عن ندوة أو محاضرة، ولا يتأخرون عن مقابلة صحفية؛ نجدهم بيننا دائما، يعرضون خططهم "للمستقبل"، وإنجازاتهم. وهم مستعدون لتقبل الرأي والرأي الآخر برحابة صدر، يتابعون كل صغيرة وكبيرة في وزاراتهم ليل نهار، خوفا من هفوة موظف صغير هنا أو هناك تطيح بأحلامهم في التجديد.
نبارك للشاب العجالين بالوظيفة، ونأمل من الإخوة المواطنين أن يبادروا إلى استغلال المهلة المتاحة قبل نفاد الوقت؛ فبعد تشكيل الحكومة لن يسأل بكم أحد، حتى لو انتحرتم جميعا من على جسر عبدون.

[email protected]