سالم الفلاحات فارس لن يترجل!

انتهت مرحلة الانتخابات الإخوانية الداخلية باستدراك فوري من خلال اختيار مكتب تنفيذي يتشكل من رموز جناح الحمائم والوسط، لقطع الطريق سريعاً أمام أية "رسالة" يمكن أن تصل إلى الطرف الآخر حول نوايا الجماعة في المرحلة القادمة.

اضافة اعلان

الانتخابات الإخوانية برهنت على "ديمقراطية داخلية" حقيقية، وشهدت تنافساً شديداً وانتهت بتداول سلطة يحسب للجماعة في ظل غياب الحد الأدنى من الديمقراطية العربية. لكن هذا لا ينفي أنّ الانتخابات الأخيرة شهدت -أيضاً- خروجاً غير مسبوق على كافة أعراف الجماعة وتقاليدها، جرى خلاله القيام بعملية تشويه كبيرة للتيار المعتدل، وتحديداً لشخصية المراقب العام، سالم الفلاحات.

صحيح؛ أنّ الجماعة شهدت سابقاً مراحل مشابهة جرى فيها تشويه القيادة وقاد "بعض" أطراف المعادلة الإخوانية المعروفين حملة إعلامية ضد نائب المراقب العام السابق، عماد أبو دية، ما حدا بالأخير إلى اعتزال العمل القيادي الإخواني، مفضلاً الحفاظ على صورة الجماعة إعلامياً، تجنباً للانزلاق إلى الوسائل التي لجأ إليها الطرف الآخر. إلاّ أنّ الحملة الأخيرة وعملية التعبئة الداخلية التي تمت ضد الفلاحات ورفاقه تجاوزت كافة "الخطوط الحمراء" الإخوانية، بالتزامن مع محاولات هذا التيار إيجاد أفق لتجنب الأزمة مع الدولة.

رحم الله الأيام الماضية! لكن "ما في الرجال يقال". فليس عدلاً أن يكون الفلاحات "كبش فداء"، لمرحلة قام فيها بالعبء الأكبر للحفاظ على "النموذج الأردني". وإذا كانت السياسات الرسمية ساهمت في إضعاف الجناح الوسطي في الجماعة، فإنّ التيار الآخر لعب الدور الأكبر في تأجيج غضب "القواعد المحبطة" من الأزمة مع الدولة، وبدلاً من تقدير الدور الرجولي والبنّاء الذي قام به جناح الوسط والحمائم قام التيار المتشدد بخلق شرخ كبير في الثقة بين القواعد والقيادة.

من يعرف الفلاحات يدرك تماماً كم هو حجم الظلم والجور الذي وقع على الرجل! فقد اكتوى بنار الأزمة مع الدولة. وفي الوقت نفسه نال هجوماً واسعاً وشرساً من قبل أفراد من التيار الرابع والصقور، الذين لم يتوانوا للحظة، ولم يقفوا مع أنفسهم قليلاً، قبل أن يدشنوا حملة داخلية وإعلامية موتورة ضد الرجل ومعه النخبة العقلانية في الجماعة!

لن ننبش في "أوجاع المرحلة السابقة"، ولعلّ الجماعة تفتح صفحة جديدة، بعد أن اكتشف التيار المتشدد خلال أربع وعشرين ساعة فقط أن خطابه الخشبي (وما رافقه من اتهامات وتسريبات) هو خطاب غير واقعي وسيؤدي بالجماعة إلى الهاوية، فسارع بعد ليلة الأربعاء العاصفة، وعلى إثر انتخاب المراقب العام إلى الجناح الآخر ليتنازل عن أغلبية المكتب التنفيذي، ويبقي على حضور النخبة المعتدلة والعقلانية للقيام بدور "مانعة الصواعق" و"صمام الأمان" في العلاقة مع الدولة.

يكمن السبب الرئيس لغضب "بعض" قيادات التيار الرابع على الفلاحات، وفقاً لمصادر داخل الجماعة، أنه أصرّ على إجراء المحاكمات التنظيمية بحق بني ارشيد ود. محمد أبو فارس وغيرهم ممن ترى قيادة الجماعة (السابقة) "أنهم قاموا بدور سلبي في حملة الجماعة في الانتخابات النيابية"، فساهموا بتثبيط القواعد والأنصار والإضرار بشعبية الجماعة وجماهيريتها.

يلوم أحد "الإخوان" الفلاحات معتبراً أنه "اصطف ضد التيار الرابع". بينما يرى آخر مقربٌ من الجماعة، ممن كان يدفع باتجاه التوفيق في الأيام الأخيرة، بأنّه "على الرغم من صلابة الفلاحات وعدم تنازله في مسألة المحاكمات، فإنّ ذلك أثبت مصداقية الرجل وقوته على النقيض مما كان يقال عنه".

أعتقد أن الجماعة وقواعدها أدركوا مباشرة – بعد الانتخابات- أنّ الفلاحات هو قائد تاريخي يمتلك رؤية عميقة، على خلاف الحملة التي قامت عليه. وإنصاف شخصيات وطنية كالفلاحات، وقبله عماد أبو دية، سيأتي لكن بأثر رجعي، ليس من قبل الجماعة فقط، بل من قبل الوسط السياسي والإعلامي.

[email protected]