سبايا "داعش"..!

تداولت المواقع الإخبارية إعلاناً للدواعش عن مسابقة لحفظ القرآن الكريم في رمضان، الجديد فيه هو الجوائز التي ستُعطى للفائزين في العيد. وجاء في الإعلان الذي تداولت المواقع صوراً له والصادر عما يدعى "ولاية البركة" في الحسكة السورية: "لجنود الدولة الإسلامية وكافة الدواوين والمفاصل في ولاية البركة... يعلن ديوان الدعوة والمساجد عن البدء بمسابقة حفظ سور من كتاب الله... ولمن يريد المشاركة عليه بالتسجيل عند أئمة الجوامع التالية: ...جامع أسامة بن لادن، جامع أبو مصعب الزرقاوي... وجوائز هذه المسابقة هي. –الفائز في المركز الأول (سبية)؛ الفائز في المركز الثاني (سبية)؛ الفائز في المركز الثالث (سبية)". ثم يذكر الإعلان جوائز مالية للفائزين بالمراكز السبعة التالية.اضافة اعلان
وتداولت المواقع أيضاً صورة تسعيرة صادرة عن "دولة العراق الإسلامية" والتي تحدد أسعار الغنائم. وتقول الوثيقة: "وردنا أن سوق بيع النساء والغنائم قد شهد انخفاضاً كبيراً وهو ما يؤثر على إيرادات الدولة الإسلامية وتمويل صولات المجاهدين فيها. ولذلك فقد ارتأت هيئة بيت المال وضع الضوابط والأسعار بخصوص بيع النساء والغنائم...". ثم تأتي القائمة في عمودين تحت عنواني: الأسعار؛ البضاعة. ويحدد المرسوم سعر المرأة الأيزيدية/ المسيحية من عمر 30-40 عاماً بمبلغ 75.000 دينار، ويستمر في تفصيل أسعار النساء حسب الفئات العمرية حتى أغلى سعر عند عمر من 1 إلى تسع سنوات: 200.000 دينار.
المشهد كله يبدو أسطورياً، أشبه بمسلسل عن قصص ألف ليلة وليلة، حيث يتاجر معمّمون في ملابس غريبة عن العصر بنساء في السوق. وكما هو حال الأزياء والمظاهر المسرحية الأخرى في مناطق "داعش" التي كل ما فيها غريب ومنقطع عن زمنه، فإن نساء الآخرين هن جزء من ممتلكات الخزينة، ويُمنحن للرجال كجوائز أو يستخدمن كوسيلة لجني المال. وحسب البيان المذكور المعنون "م/أسعار بيع الغنائم"، فإنه "لا يسمح لأي شخص بشراء أكثر من ثلاث غنائم ويستثنى من ذلك الأجانب من الأتراك والسوريين والخليجيين".
هناك صورة تتكرر في الأفلام الأميركية وغيرها، والتي تعرض في العادة رجلاً غنياً نافذاً مستلقياً بنظارة سوداء عند بركة، يحيط به عدد من النساء في ملابس السباحة أيضاً، في عرض حديث لصورة الجواري والسلطان من ألف ليلة وليلة. وفي "سبايا" داعش و"جواري" الأثرياء تشخيص للجور التاريخي الذي تعاني منه المرأة تحت مختلف العناوين.
مع ذلك، لا يعرض المتاجرون بالنساء في أي مكان صنيعهم على أنه جزء من العقيدة والثقافة، كما يفعل "داعش". وقد وصمتنا أفعال هؤلاء بأننا –كمسلمين- أصحاب عقيدة تبرر الاسترقاق وتركز على الغرائز أكثر من أي أحد آخر في العالم. ومع أن اغتصاب النساء وأخذهن رقيقاً للجنس يحدث في معظم الحروب الهمجية الجارية الآن في أكثر من مكان في العالم، فإن أحداً أيضاً لا يفضح نفسه بالاعتراف بذلك، ولا يعنون هذا السلوك بالدين أيضاً. لا أحد ينشر إعلاناً عن منح "عبدة" لمن يثبت أنه الأكثر التزاماً بالدين في القرن الحادي والعشرين؛ ولا أحد ينشر فيلماً لعناصره وهم يناقشون صفقات بيع البنات ويعرضون أسعاراً أعلى لذوات العيون الزرق أو الخضر، كما فعل "داعش".
يحاول المتطرفون الذين أفرزتهم مجتمعاتنا وسوء أحوالنا تأكيد أنهم يتصرفون بتخويل إلهي. وبالإضافة إلى التحكم بتقرير الحياة والموت –والموت غالباً- لمن يقع في أيديهم، فإنهم يعطون لأنفسهم الحق في منح حياة بشرية كاملة كجائزة للذين يصنفونهم "صالحين"، وبالتحديد تسخير النساء لرغبات الرجال. وفي المقابل، تكون جائزة المرأة "الصالحة" في نظرهم هي تكريس تبعيتها المطلقة للرجل وخضوعها لأهوائه بلا اعتراض، بحيث يكون حبسها في مختلف أنواع القيود (لحفظ عفّتها) هو مكافأتها.
من العار أن توصم ثقافتنا كلها الآن في القرن الحادي والعشرين بأنها ثقافة سبي وعبودية ونساء يُبعن في الأسواق ويمنحن جوائز لحفظة القرآن الكريم. وإذا كنا لنواجه الحقيقة –ونحن الذين نعرفها أكثر من غيرنا- فإن سبابا "داعش" هن المظهر الأكثر صلافة فقط لثقافة تسترق النساء بسلبهن حريتهن في كثير من مجتمعاتنا الراهنة وتبيعهن طفلات لأزواج كهول، وتقتلهن بداعي الشرف، وتحرمهن خياراتهن. لذلك، لم يكن من الصعب تجنيد كل هذا الكم من المهووسين الذين "يجاهدون" لسبي النساء، والتسري بهن، ومنحهن كجوائز.