سبب هزيمة حزيران ما يزال قائما

لم تقتصر هزيمة الخامس من حزيران عام 1967 امام المشروع التوسعي الاستعماري الاسرائيلي, على الهزيمة العسكرية للاطراف العربية الاربعة, مصر وسورية والاردن ومنظمة التحرير الفلسطينية التي تشكلت بقرار عربي عام 1964 وكانت جزءا وامتدادا للنظام العربي ونظام عبد الناصر بالذات, فهزمت معه, ودفعت قيادتها ثمن الهزيمة, بسقوط قيادة احمد الشقيري في المجلس الوطني الفلسطيني الرابع, وانتقالها مؤقتا الى يحيى حمودة, ليصعد نجم ياسر عرفات, كرمز للمقاومة الشعبية ومشاركة فصائل المقاومة فتح والشعبية والديمقراطية, كفصائل وطنية مستقلة عن النظام العربي, قادت النضال الفلسطيني في مواجهة المشروع التوسعي الاسرائيلي, وتحولت منظمة التحرير من مشروع للنظام العربي الى مشروع وطني جماهيري فلسطيني صاعد.

اضافة اعلان

هزيمة الخامس من حزيران, كانت هزيمة سياسية واخلاقية وقانونية, للنظام العربي امام المشروع التوسعي الاستعماري الاسرائيلي, لا زالت نتائجها قائمة لم تتبدل بشكل جوهري, وان كان قد طرأ تبدلات شكلية اجرائية على مستوى بنية وهيكلية النظام العربي, ولكنها لم تمس جوهر خياراته الاحادية القائمة على عدم اعطاء الشعب حقه الكامل والجوهري في حرية الاختيار والمشاركة في مؤسسات صنع القرار عبر صناديق الاقتراع والتداول السلمي للسلطة, وفق الدستور والقانون ونتائج صناديق الاقتراع.

على المستوى العسكري وردا على الهزيمة العسكرية امام العدو الاسرائيلي تمكنت الجيوش العربية رد الاعتبار لنفسها, فالجيش العربي الاردني تمكن من توجيه ضربة قوية للقوات الاسرائيلية في معركة الكرامة يوم 21/3/1968 وكانت بمثابة رافعة معنوية عوضت نفسيا عن نتائج حزيران 1967 وان لم تلغ نتائجها العملية والعسكرية, باستعادة الاراضي التي احتلت في الخامس من حزيران 67 والتي كانت جزءا من المملكة الاردنية الهاشمية قبل احتلالها ولا زالت من قبل جيش الاحتلال الاسرائيلي.

واستطاع كل من الجيش المصري والسوري, القيام بمبادرة شجاعة في حرب تشرين (اكتوبر) 1973 ردت الاعتبار لهما, وان لم تكن النتائج السياسية بمستوى التضحيات والمبادرة التي قدمت, فقد ادت الحرب ومعارك الجيش المصري على قناة السويس وفي سيناء الى تحقيق انسحاب اسرائيلي من كامل سيناء بفعل اتفاقات كامب ديفيد المجحفة التي جعلت سيناء محررة ولكنها منقوصة السيادة المصرية. كما بقيت الجولان السورية تحت حراب الاحتلال في ظل وقف اطلاق نار هادئ ملتزم به بدون اي مقاومة سورية تذكر في هذا المجال رغم سنوات الاحتلال الطويلة للجولان السوري.

الاتفاقات المصرية الاسرائيلية (كامب ديفيد) والاردنية الاسرائيلية (وادي عربة) وكذلك الاتفاق الاسرائيلي الفلسطيني (أوسلو) لم تعكس حقوق العرب وتطلعاتهم وسيادتهم, فهي مجحفة تعكس واقع الحال, والتفوق الاسرائيلي العسكري والتكنولوجي والاقتصادي والنفوذ السياسي, على حساب العرب وكرامتهم ومصالحهم, ولذلك افتقدت هذه الاتفاقات لروح العدالة مثلما افتقدت للتوازن المعقول وعكست فقط موازين القوى القائمة على الأرض لمصلحة التفوق الاسرائيلي والضعف العربي.

هزيمة حزيران, ونكستها المريرة, لم تكن على المستوى العسكري القتالي فحسب, وان كان ذلك ابرز مظاهرها, بل هي هزيمة للنظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي لاطراف النظام العربي, وهي هزيمة معنوية ادبية اخلاقية مست ولا تزال الوجدان والنفس والكرامة العربية, بدلالة فرحنا لاي مظهر من مظاهر المس او الايذاء الموجه للاسرائيليين على ايدي اي طرف عربي حتى ولو كان ذاك يتم بواسطة عمليات غير قانونية ولا يقبل بها المجتمع الدولي وتندرج في قائمة الارهاب لانها تمس المدنيين الاسرائيليين, وذلك تعبيرا عن احساسنا بالقهر لعدم تحقيق نتائج عملية لهزيمة المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي وجيشه واجهزته الامنية, وبسبب احساسنا بالتفوق الاسرائيلي وقهره الدائم لنا.

لم يتبدل الحال بسب هزيمة النظام العربي امام العدو الاسرائيلي, وليس سبب ذلك التفوق العسكري الاسرائيلي, فقد استطاعت فصائل المقاومة تحقيق نجاحات جزئية قتالية متكررة في وجه جيش الاحتلال, واستطاعت المقاومة اللبنانية توجيه ضربات موجعة للاسرائيليين فرضت عليهم انسحابا غير مشروط من لبنان, وهو انسحاب غير مكبل كما فعلت كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو, وهذا يعكس القدرة اللبنانية على الصمود وعلى جعل بقاء الاحتلال مكلفا لأرض جنوب لبنان, فاختار الرحيل والانسحاب بدون شروط مجحفة بحق لبنان.

الحال لم يتبدل على المستوى العربي بالمعنى السياسي والديمقراطي وتداول السلطة ومشاركة القوى السياسية والكفاءات بمؤسسات صنع القرار اعتمادا على صناديق الاقتراع وحق المواطنين باختيار قياداتها اعتمادا على البرامج والشفافية والبرلمانات الجدية والاحزاب السياسية ذات المصداقية, هذا هو الفرق الجوهري بين اسرائيل العدو والانظمة العربية الصديقة, حيث تجري هناك التبدلات وتغيير القيادات اعتمادا على الكفاءة في المؤسسات واعتمادا على صناديق الاقتراع في عملية صنع القرار السياسي والتنفيذي والتشريعي.

الفرق الجوهري بينهم وبيننا هو سبب نجاحهم وسبب هزيمتنا وفشلنا, سبب نكسة حزيران كان ولا يزال يعيش معنا وعندنا وفي داخلنا وهو سبب هزيمتنا ولا يزال.

[email protected]