ستبقى لندن المركز الأوروبي للتمويل الإسلامي

*غسان الطالب

كانت وما تزال بريطانيا تسعى جاهدة لأن تكون المركز المالي للتمويل والصناعة المصرفية الإسلامية في التنافس مع دبي وكوالالمبور في الوقت الذي تتمتع به بريطانيا بموقع تتميز به كمركز مالي عالمي يوازي في الأهمية مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية والتي تضم حي المال في شارع وول ستريت في مانهاتن وامتداداته العالمية، علما بأن العديد من البنوك العالمية تتخذ من لندن مقرا لها وتمتد نشاطاتها المالية في معظم دول الاتحاد الأوروبي انطلاقا من لندن مثل بنك “إتش إس بي سي” وبنك “جيه بي موغان تشيس” وبنك “غولدمان ساكس” وبنك “مورغان ستانلي”، وغيرها من المؤسسات المالية والمصرفية الدولية، مستفيدة من قوانين وتشريعات الاتحاد التي تسهل لها تواجدها في هذه الدول وممارسة نشاطاتها المالية، السؤال الذي يطرح نفسه وبشكل ملح، هل ستُبقي هذه البنوك على مقراتها في لندن؟ أم ستفكر في الرحيل الى عواصم أخرى في دول الاتحاد الأوروبي، مثل باريس وفرانكفورت العاصمة الاقتصادية لألمانيا، في حال فقدان تأشيرة الاتحاد الأوروبي لممارسة أعمالها المصرفية في دول الاتحاد التي مُنحت لها عندما كانت بريطانيا عضوا فيه.اضافة اعلان
هذا الموقع المالي العالمي للندن لم تكن صناعة التمويل الإسلامي بعيدة عنه، حتى قبل انضمام بريطانيا للاتحاد الأوروبي، كانت لندن ممرا لرؤوس الأموال العربية والإسلامية ومنها لبقية العواصم الأوروبية، فهذا السبق لبريطانيا مكنها من استقطاب العديد من المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، مع العلم أن بريطانيا يعمل بها اليوم 22 مؤسسة مالية إسلامية منها ستة مصارف إسلامية مثل بنك لندن والشرق الأوسط، والبنك الإسلامي الأوروبي للاستثمار، وجيتهاوس بنك، والبنك الإسلامي البريطاني؛ حيث تقدر أصولها بـ19 مليار دولار، جميعها ملتزمة بتقديم منتجات مالية وفق الشريعة الإسلامية، كما يوجد حوالي 25 شركة استشارات قانونية متخصصة في التمويل والاقتصاد الإسلامي، مما جعل رئيس وزراء بريطانيا يقول في كلمة له أمام منتدى الاقتصاد الإسلامي العالمي العاشر الذي انعقد في دبي للمرة الأولى خلال 2014 “إن الاستثمار الإسلامي هو الأساس في نجاحهم”، وتفسر ذلك بحجم مساهمة رؤوس الأموال العربية والإسلامية العاملة في النشاطات الاقتصادية وزيادة حجم استثماراتها، إضافة الى حرص بريطانيا على تنظيم ملتقيات ومنتديات اقتصادية عالمية متخصصة في الاقتصاد والمالية الإسلامية حتى أصبحت تطمح لأن تصبح مركزا ماليا عالميا للتمويل الإسلامي بعيدا عن بقية العواصم الأوروبية التي كانت تنظر بعين الريبة والحذر للمصارف الإسلامية، الى أن فكرت ألمانيا وفرنسا أخيرا بالسماح لبعض النشاطات المالية الإسلامية على أثر الأزمة المالية العالمية.
لكن هذا لا ينفي بعض المخاوف من تأثر الصناعة المصرفية الإسلامية سواء المتواجدة أصلا في بريطانيا أو انطلاقا منها بهذا الحدث الكبير، فهناك ما يبرر هذه المخاوف والتي يمكن الإشارة اليها ببعض الحقائق الموضوعية الآتية والتي يمكن الرد عليها كذلك بموضوعية:
- سبق للبنك المركزي الأوروبي أن وافق على منح تسهيلات للتمويل الإسلامي من دون فوائد وأدخل بعض التشريعات المتعلقة في مجال الصيرفة والتشريع الضريبي على القطاع المصرفي في دول الاتحاد، ففي هذه الحالة ترجع هذه المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية الى القوانين والتشريعات البريطانية، أما تحرك المصارف الإسلامية داخل دول الاتحاد فسوف يكون تحرك على مستوى فردي لكل دولة كما هو الآن تحركها في فرنسا وألمانيا، لكن ضمن قوانين وتشريعات الاتحاد الأوروبي.
- التخوف الحقيقي الذي يمكن أن يكون مصدره تغير سعر صرف الجنيه الإسترليني بالانخفاض؛ حيث تشير بعض التوقعات الى أن الجنيه الاسترليني قد يفقد من 15 % - 20 % من قيمته، مما سيؤثر على قيمة الأصول للمؤسسات المالية الإسلامية، وهذا يمكن أن يحدث في ظروف مختلفة ودول مختلفة أيضا مسببا بعض الخسائر لهذه المؤسسات.
- إعادة النظر من قبل الاتحاد الأوروبي ببعض الاتفاقيات المتعلقة بالتجارة البينية مع الدول الأعضاء وحرية حركة رؤوس الأموال.
- يتنبأ بعض المحللين برحيل بعض الاستثمارات والمستثمرين عن لندن متجهين الى عواصم أوروبية أخرى، ومع منطقية هذا التوقع، الا أن بريطانيا وقبل انضمامها للاتحاد الأوروبي كانت مركزا عالميا للاستثمارات ووجهة لرجال الأعمال والمستثمرين.
- بعض الانعكاسات التي يمكن حدوثها على أسواق رأس المال والمعاملات المالية لارتباطها مع العديد من المؤسسات المتداولة في بقية الأسواق المالية الأوروبية.
لكن لا يمنع من أن نتوقف عند هذا الحدث العالمي لعمل مراجعة مع الذات، وتقييم أدائنا، والتخطيط لأسوأ الاحتمالات لنتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ونتخذ منه محطة مهمة لمعرفة عناصر القوة في مصارفنا ومؤسساتنا الإسلامية لمواجهة أي تحد قد نتفاجأ به.

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي