سد حزين وآخر قتيل

 

عندما تقف على الضفاف الافتراضية لسد الوحدة تشعر انك امام كائن حزين مظلوم. فهذه الكتلة الاسمنتية التي كلفت الخزينة اكثر من 60 مليون دينار، جاءت من قروض، تبدو مثل مدرس في غرفة صف شبه خاوية من التلاميذ!

اضافة اعلان

سد الوحدة مشروع كبير، لكنه احد مقاييس العلاقة السياسية بين الاردن وسورية، والان ليس فيه اكثر من 1.3 مليون متر مكعب من الماء، أو ما لا يتجاوز 1% من سعته التخزينية! سد حزين على طرفه بقعة من المياه، هي نهر اليرموك الذي يبدو نهرا من التاريخ؛ فمجراه جاف بانتظار الفرج من الله تعالى بامطار غزيرة، وقد يكون يائسا من ان تؤدي السياسة الى حل مشكلته.

واذا عدنا الى اصل الحكاية، فان حوض اليرموك مشترك بين الاردن وسورية، وهو جزء من مفاوضات ممتدة عبر عقود بين البلدين. فالاشقاء قاموا بحفر 3500 بئر تستنزف المياه الجوفية للحوض، وهنالك ايضا 36 سدا على الاودية الاربعة المغذية للنهر، وهذه تؤثر على تدفق مياه الينابيع، وتخفف من مياه الفيضانات.

وكما يقول اهل الخبرة، فان الشقيقة سورية كانت تأخذ حصة رسمية لا تتجاوز تلث الموارد المائية، كانت تصل عمليا الى النصف. وجاءت اتفاقية العام 1987 التي دللت على اداء المفاوضين آنذاك، وادت الى اعطاء سورية حصصا اضافية بشكل رسمي. وبعد ذلك كان حفر الاف الابار من الاشقاء، واقامة المزارع والسدود، حتى كان الوضع الحالي الذي لا يعطي للاردن الا نسبة قليلة، وبخاصة بعد اعطاء اسرائيل حصتها من مياه اليرموك.

يقول المسؤولون ان جهودا تبذل للوصول الى تفاهم مع الاشقاء السوريين يعطي فرصة لتوفير المياه لتشغيل السد وتخزين المياه فيه. وهنالك اقتراحات عملية تقدم، ودراسة يقوم بها طرف اوروبي محايد لوقف استنزاف حوض اليرموك. لكن ما هو مؤكد ان البعد السياسي حاضر، وان قضية المياه المشتركة جزء من اوراق الضغط والابتزاز والتعبير عن الغضب او الرضى، وهي جزء من حالة المد والجزر في العلاقات الثنائية التي تتأثر بالملفات الاقليمية والدولية، وتحالفات المراحل الطويلة والقصيرة.

سد الوحدة حظي برعاية سياسية كبيرة من قيادتي البلدين، لكن حكاية حوض اليرموك تدلل على مدى صلابة المفاوض الاردني مع الاشقاء السوريين في صياغة اتفاقية العام 1987، او مع الاسرائيليين في معاهدة السلام، هذه الحقوق المائية التي نسمع الان من اهل الاختصاص انها لو كانت مفاوضات تدار بطريقة مهنية اكثر، وبحرص من نوع اخر، لما كانت النتائج كما هي الان.

وفي اجواء السد الحزين على نهر اليرموك تبدو حكاية سد الكرامة الذي هدد رئيس لجنة الزراعة والمياه النيابية بفتح تحقيق حوله، ومحاسبة المسؤولين عن هدر عشرات الملايين التي تم انفاقها لبناء سد لم تتم الاستفادة منه! وتفكر الحكومة باستغلال منطقته لاغراض سياحية، لان مياهه مالحة ولا يمكن الاستفادة منها لاغراض الري او الشرب!

مسؤولو سلطة وادي الاردن يقدمون تفسيرا لوضع سد الكرامة لا يقلل من قيمة الخسارة لهذا المشروع، بانه في وضعه الحالي ليس مفيدا للزراعة والري، بل هو منظر مائي جميل عن بعد، يمكن بناء متنزهات ومطاعم حوله. لكن هذا التفكير يعني انه ليس سدا بالمفهوم المائي.

ويقوم تفسير المسؤولين على ان نسبة كبيرة من ينابيع المياه في منطقة السد مالحة، وهناك ايضا طبقة التربة مالحة، وان الحل للتخلص من الملوحة كان بتعبئة السد عدة مرات وتفريغ المياه منه. لكن هذا لم يحدث حتى الان لاسباب تتعلق بازمة تلوث المياه في العام 1998 وتداعياتها، كما ان السد لم يمتلئ حتى الان. وسواء كان حديث مسؤولي السلطة تفسيرا او تبريرا، فان هناك سدا كبيرا تم بناؤه لاغراض التخزين وتوفير مياه للري، لكنه لا يقوم بما جاء من اجله، ويبدو التفكير باستغلال المكان لأغراض سياحية نوعا من اليأس او الاعتراف بانه الان، او خلال الظروف الحالية، ليس سدا، بل بنية تحتية لحديقة او متنزه.

اذا كانت السياسة تجعل من سد الوحدة حزينا كئيبا، فهذا امر له تداعياته، ولا يلغي من قيمته كمشروع استراتيجي ضمن توجهات الدولة لتوفير الامن المائي؛ اما حكاية سد الكرامة فمرتبطة بقرارات وقدرات ادارية؛ فالاردن ليس بحاجة الى مناطق سياحية، بل إلى مشروع مائي. فهل كل الملايين التي انفقت على بناء سد الكرامة ستحسب في موازنة هيئة تنشيط السياحة، ام ان واقع السد يفرض السعي للحفاظ على هدفه الاصيل، او الاعتراف بان هناك من يتحمل مسؤولية ما جرى؟

[email protected]