سد في وجه الابتزاز

أسرة التحرير -هارتس

قضية القبور في نطاق مستشفى برزيلاي في عسقلان بدأت بصرخة كبيرة وتنتهي بوقفة دقيقة صمت. في البداية خضعت الحكومة لابتزاز الأحزاب الأصولية، وتعهدت بإقامة غرفة الطوارئ الجديدة للمستشفى في مكان آخر غير المكان الذي كان مخططا لها. هذا القرار، الذي تبلغ كلفته على دافع الضرائب مبلغا فضائحيا، كان نذير شر للجمهور. وحسب كل المؤشرات كان يبدو أن الأقلية الأصولية المتطرفة تجر دولة كاملة من أنفها.

اضافة اعلان

لو كانت الحكومة تفي بتعهداتها، لشكلت قضية برزيلاي ذروة جديدة في الابتزاز الأصولي، تقزم ذرى مثيرة أخرى، مثل التحويلة باهظة الثمن في الطريق العابر لإسرائيل، والتي بنيت بسبب اكتشاف قبور، والارتفاع في طريق كيبوتس غليوت في تل أبيب. وأدارت هذه القضايا أجهزة يحركها النشطاء الأصوليون في البلاد وفي الخارج، ممن تزداد مطالبهم مع كل إنجاز. وبحجة الحفاظ على قدسية الميت، جر هؤلاء النشطاء السياسيون حكومات إسرائيل نحو الاستسلام لمطالبهم. وهذه لا تتعلق بالضرورة بالفقة، بل تعبر عن نزعة قوة تهكمية واستخفاف فظ برأي وجيب الجمهور.

في السنوات الأخيرة نشأ الانطباع بأن الجمهور الغفير، العلماني والتقليدي على حد سواء، قد تخلى عن مكافحة هذا الابتزاز، حتى وإن كان الاستسلام له يمس برفاهيته ونمط حياته. وهكذا فإن ذات الأغلبية الصامتة تقبل مواصلة حمل عبء دفع الضرائب والعمل وتمويل الجهاز التعليمي الأصولي الخاص الذي يتمتع بميزانيات رسمية سخية، وتوافق بالصمت على أن تدير الأرثوذكسية المتطرفة حياة الأحوال الشخصية لديها – من الولادة، والزواج والطلاق، وحتى الموت والدفن. هكذا أيضا حصل في السنوات الأخيرة في موضوع القبور العتيقة التي اكتشفت في أثناء أشغال البنى التحتية: التعب ولد عدم الاكتراث، وعدم الاكتراث ولد الاستسلام.

غير أنه في قضية برزيلاي يبدو أن الجمهور مل عذاباته وقد تمرد. أطباء وشخصيات عامة مارسوا الضغوط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي قرر أخيرا عدم تنفيذ قرار الحكومة. وأمس (الأحد) مر نقل القبور بسلام بل وبهدوء نسبي. وهذا برهان أكيد على أن النواة العلمانية سوية العقل يمكنها، فقط إذا شاءت، أن تضع سدا في وجه الابتزاز، وأن تقرر لنفسها أنماط حياتها.