"سرت الثاني".. استحضار الذاكرة التاريخية لحل الأزمة الليبية

تقرير - (أحوال تركية) 18/10/2020

القاهرة - تتسارع وتيرة التحركات السياسية على أكثر من جبهة ليبية، في محاولة تهدف إلى لمّ الشمل، غير أن تعدد الخطوات يمكن أن يؤثر سلبا على المخرجات النهائية، بعد أن توافرت أجواء إيجابية تشجع على المضي قدما نحو الحل السياسي.اضافة اعلان
ففي الوقت الذي تستعد فيه الأمم المتحدة لعقد الجلسة الأولى لمنتدى الحوار السياسي في تونس، في السادس والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، نظمت وزارة الخارجية في الحكومة الليبية المؤقتة مؤتمرا للمصالحة الوطنية أطلقت عليه "سرت الثاني"، والذي يقوم على سياسة دعم الحوار الليبي براعية داخلية وليس ضمن حوارات الأجندات الخارجية، مثلما هو الأمر بالنسبة لمؤتمر تونس.
حاول القائمون على المؤتمر الجديد استحضار الذاكرة التاريخية لدعم الثوابت الوطنية، باعتباره استكمالاً لمؤتمر آخر كان قد عقد في العام 1922 لمواجهة الاستعمار، ونجم عن المؤتمر ما عرف بـ"ميثاق سرت"، وحظي بتأييد الكثير من القوى الليبية آنذاك.
افتتح المؤتمر بكلمة لوزير الخارجية في الحكومة المؤقتة عبد الهادي الحويج، ثمّن فيها الاجتماع ودوره في حل الأزمة الليبية، وأهمية أن تتكاتف جميع القوى الوطنية للتوصل إلى حل سياسي بعيداً عن التدخلات الخارجية.
وأكد الإعلامي الليبي شعبان بركة الذي شهد فعاليات المؤتمر، أن المؤتمر التأم في موعده المقرر وليوم واحد، وشاركت فيه وفود من مدن مختلفة، وشخصيات تمثل شرائح متباينة للمجتمع للتأسيس لميلاد ليبيا الجديدة.
وأوضح أن وزير خارجية مالطا، إيفاريست بارتولو، ألقى كلمة أمام المؤتمر عبر الفيديو، وشدد فيها على أهمية أن يكون الحوار ليبيّا-ليبيّا، من دون تدخلات خارجية، وأيد انعقاد مؤتمر سرت لتأكيد جدية المصالحة الوطنية.
شرعت خطوط اتصال كثيرة في التكوُّن خلال الفترة الماضية، وكسرت مجموعة كبيرة من الحواجز المادية والمعنوية بين شرق ليبيا وغربها مستفيدة من الليونة السياسية والعسكرية الظاهرة في مواقف قوى عديدة، والتي عكستها اجتماعات عدة عقدت في كل من سويسرا والمغرب ومصر مؤخراً، وناقشت قضايا سياسية وعسكرية مهمة.
يوم الجمعة قبل أسبوع، هبطت أول طائرة مدنية منذ حوالي عام قادمة من طرابلس في مطار بنغازي، في خطوة تشير إلى فتح خطوط الانتقال البري والجوي، بما يتّسق مع التفاهمات التي جرى التوصل إليها بين ممثلين عن شرق ليبيا وغربها برعاية الأمم المتحدة.
وفي 12 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، قام وفد من كبار شيوخ وأعيان المنطقة الشرقية بزيارة إلى مصراتة في غرب ليبيا، وناقش قضية المحتجزين والمعتقلين لحل أزمتهم ودياً. كما استضافت القاهرة في أوائل أيلول (سبتمبر) عدداً من القيادات السياسية والاجتماعية التي تمثل شرق ليبيا وغربها، لتقريب المسافات وفتح الطريق أمام مصالحة حقيقية.
أراد المنظمون لمؤتمر سرت الثاني التأكيد أن الحل يجب أن يكون ليبيّا وفي مدينة ليبية وبأفكار ليبية، لتشكيل خريطة طريق سياسية لأي حلول إقليمية أو دولية منصفة ومستدامة، والتي تنهي الفوضى والتشظي وتنجز الوحدة الوطنية واستقلال القرار السياسي، وترفض الإملاءات والأجندات الخارجية السلبية.
وأوضحت وزارة الخارجية في الحكومة الليبية المؤقتة أنها دعت إلى مؤتمر سرت الثاني كتلاً وأحزاباً سياسية ومنظّمات مجتمع مدني معنية بالسلام والمصالحة، وممثلين عن المهجرين في الخارج والنازحين في الداخل، إلى جانب مسؤولين وسياسيين سابقين وشخصيات عامة، وعدد من المحامين والقضاة وأساتذة الجامعات والمثقفين.
وقال شعبان بركة معلقاً على مستوى استجابة المدن والشخصيات التي جرت دعوتها إلى المؤتمر: "التمثيل كان جيّدا، وضمّ شرائح ليبية مختلفة".
وكانت اللجنة التحضيرية لمؤتمر سرت الثاني قد عقدت اجتماعاً لبحث الترتيبات اللوجستية، وأصدرت بيانًا دعت فيه إلى عقد الاجتماع لتقديم خريطة طريق سياسية، كمحاولة جادة "لتكوين مرجعية وطنية تعد ميثاقا لليبيا". وشددت على أن الآباء والأجداد المؤسسين لميثاق سرت الأول كانوا على مستوى من الحرص والحس بالمسؤولية بحيث تناسوا وتساموا على الجراح والخلافات، وأعلنوا ميثاقاً تاريخياً كان مثالاً للأجيال السابقة والحالية والمقبلة.
ويقول مراقبون إن مكان التئام المؤتمر ينطوي على دلالة رمزية لها علاقة بالوضع الراهن. فانعقاده في سرت، يعني أن المدينة آمنة ومستقرة ومهيأة لاستقبال الحكومة الجديدة لممارسة مهامها منها، وقوات الجيش الوطني الليبي قادرة على تأمين أعضائها، ولا حاجة لما يتمّ الترويج له حول إنشاء منطقة عازلة ومنزوعة السلاح.
ورفض الجيش الليبي فكرة إنشاء منطقة عازلة، والتي تدفع نحوها الولايات المتحدة بذريعة تأمين منطقة سرت الحيوية، ومنع اندلاع معارك جديدة. وأكد السياسي الليبي حسن المبروك، أنه يؤيد جميع المواقف الوطنية المدروسة التي تساعد على حل الأزمة سياسياً، رافضاً ما أسماه بـ"الشخصنة التي يحاول البعض فرضها في اللقاءات الليبية"، في إشارة تحمل تحفظا على مؤتمر سرت الثاني.
وأوضح المبروك أن المؤتمر كان "بحاجة إلى مزيد من الإعداد، وعدم الاستعجال، فقد أعلن عنه فجأة ومن دون مقدمات تمهيدية، ما يعني أن ثمة تضارباً قد يطال بعض الأجندات السياسية، ويمكن أن ينعكس سلبا في المحصلة النهائية على النوايا الحسنة".
ولفت متابعون إلى تناقض رسالة مؤتمر سرت الثاني مع مؤتمر تونس، ما يفضي إلى وضع عقبات بدلاً من إزالتها، خاصة أن الأمم المتحدة التي ترعى المؤتمر الثاني تواجه ارتباكاً في دعوات وأهداف المؤتمر.
من غير المعروف مدى قدرة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على بلورة رؤى مفيدة للحل مع انعقاد الجلسة الثانية المباشرة للمنتدى مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ولم تفسّر ما إذا كانت اجتماعات تونس ستلغي مؤتمر جنيف الذي أعلن عنه من قبل أم لا.
وأشار وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، إلى استمرار التحضيرات لعقد اجتماع يضمّ أطراف الأزمة الليبية في جنيف، وضرورة تطبيق قرارات الأمم المتحدة بشأن ليبيا، لأن جميع الجهود تصب في هذا الاتجاه. وكشفت مصادر ليبية عن أن مؤتمر سرت الثاني يحظى بتأييد قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، ويحمل إشارات تحفّظ على ما يتم التحضير له في تونس.
وشددت على أن "رسالته السياسية تختلف مع التوجهات العامة لمؤتمر تونس، والذي تشارك فيه قوى إسلامية بكثافة، ولا يخلو من أصابع خارجية لتوجيه دفته".
في كل الأحوال، تنطوي كثرة المؤتمرات المعنية بالأزمة الليبية على ظاهرة إيجابية، حيث تحولت الاشتباكات من الفضاء العسكري إلى الفضاء السياسي، وهذه ميزة تؤكد انخفاض منسوب اللجوء إلى الحرب، وتزايد فرص الحوار أملا في الوصول إلى السلام.