سرقة فلسطين: مقابلة مع ريتشارد فولك

جنود إسرائيليون يمنعون محتجا فلسطينيا من تثبيت علم فلسطيني في أرض قرب أريحا في الأول من الشهر الماضي - (أ ف ب)
جنود إسرائيليون يمنعون محتجا فلسطينيا من تثبيت علم فلسطيني في أرض قرب أريحا في الأول من الشهر الماضي - (أ ف ب)

ستيورت ليتيلوود  (17/12/2013)

ترجمة (بتصرف) سيف الدين البيطار

اضافة اعلان
كلما تعرضت المؤامرة العالمية الهادفة لسرقة الفلسطينيين حقهم في الحرية لمزيد من التعرية يوما تلو الآخر،احتار المراقبون والناشطون حيال نفاق الأمم المتحدة بما يتعلق  باحتلال غير شرعي ما يزال قائماً منذ عقود من الزمن لأراضٍ فلسطينية أمعن الاحتلال في تطهيرها العرقي، ذلك عدا النوايا الحقيقية للقادة الفلسطينيين ذاتهم. لذلك وحينما زار ريتشارد فولك "البروفيسور في القانون الدولي في جامعة برينستون ومفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين المحتلة" مدينة نوريتش مؤخراً، انتهزت الفرصة لطرح جملة من الاسئلة عليه.
 عملية السلام
• هل لنا بالحديث عن ما يسمى "بعملية السلام"؟ وهل لاستقالة الوفد الفلسطيني المفاوض والأسباب التي دعت الوفد لذلك أي أثر على وقف ما يسمى "بمفاوضات السلام" الحالية؟ هل على الفلسطينيين ان يديروا ظهرهم لهذه المفاوضات أو الاستمرار بلعب هذه اللعبة غير المجدية لستة أشهر أخرى؟
- من الصعب بمكان تقييم إمكانية تعليق محادثات السلام الجارية الآن. والسلطة الفلسطينية تبدي دوماً استعدادها للخضوع للضغوط بالرغم من وجود بعض الضوابط الخارجية. في هذا الصدد، فإن مستقبل هذه المرحلة من "محادثات السلام" لا أثر "لرام الله" في تحديد معالمها، بل سيتم تحديد معالمها في واشنطن وتل أبيب. ليكن جلياً بعد عشرين عاماً من "أوسلو"، أن محادثات السلام تخدم إسرائيل في عملية "الضم المتدحرج" للضفة الغربية والتطهير العرقي للقدس الشرقية، في حين تتضاءل آفاق الفلسطينيين شيئاً فشيئاً، كماأنها تؤذي صورة الفلسطينيين عبر تضليل إعلامي يلوم الجانب الفلسطيني دائماً على إنهيار محادثات السلام كلما حدث ذلك. ستكون بادرة مرحبا بها قيام السلطة الفلسطينية بقرار مستقل عبر التقدم بالانسحاب من محادثات السلام بل وشجبها ورفضها جملة وتفصيلاً.
أما الحقيقة المحزنة فهي أن ذلك لن يحدث بكل تأكيد، وفي أغلب الظن فان فترة المفاوضات المقررة بتسعة أشهر سيتم تمديدها بناء على ادعاءات كاذبة بقرب توصل الطرفين لحلول للمشاكل العالقة، وبالتالي الادعاء بأن آفاق التوصل لحل نهائي باتت مشرقة في نهاية المطاف.
•  المفاوضون الفلسطينيون قالوا بأنهم استقالوا بسبب "التصاعد غير المسبوق" في النشاطات الاستيطانية وبسبب أن إسرائيل غير جدية بخصوص حل الدولتين وبسبب انها فشلت في الوفاء بالالتزامات التي تعهدت بها في بداية هذه المفاوضات. والآن، أنا أقرأ بأن "المفاوض الفلسطيني صائب عريقات" قد عاد أدراجه لواشنطن من أجل إجراء المزيد من المحادثات مع تسيبي ليفني، كبيرة المفاوضين الإسرائيليين، إضافة الى جون كيري، وزير الخارجية الأمريكية والمبعوث الأميركي مارتين إنديك. وعودته هي بمثالية مجافاة المفاوضين الفلسطينيين لإمكانية الانسحاب من هذه المفاوضات أو شجبها ورفضها، بل يعتبر قيامهم بذلك، بمثابة موافقة رسمية على المضي بهذه المفاوضات، وهذا ما يؤكد وجهة نظرك.
بأي حال، ما هو مقبول باعتقادك لشعب ضعيف، محطم المعنويات ومأسور كالشعب الفلسطيني الذي يتم إجباره للجلوس على طاولة مفاوضات مع محتله الوحشي وتحت إشراف الإدارة الأميركية التي هي بنظر الجميع غير نزيهة لتلعب دور وسيط للسلام.
- حتى بافتراض أن الولايات المتحدة تتصرف بنوايا حسنة، وهي إفتراضية لا دليل عليها، فدورها كحليف غير مشروط لإسرائيل يجافي إمكانية لعبها دور الوسيط ذي مصداقية في عملية المفاوضات هذه. في الحقيقة، ها هو تشدد الإدارة الأميركية في تعيين أشخاص مرتبطين مع "مجموعة الضغط" المسماة "لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية" (الإيباك) بروابط عضوية للإشراف على محادثات السلام مثال دينيس روس ومارتين إنديك دليل على ذلك. إن من الصعوبة بمكان تخيل مدى غضب الغرب إذا ما تم عكس الشروط وإقدام الأمم المتحدة على طرح "محادثات سلام" تنحاز لجانب الفلسطينيين. فطبيعة محادثات الإطار الحالية و"غير المرضية" تتفاقم عيوبها بسبب تحيزها الصارخ لصالح إسرائيل بما تتمتع به من سطوة القوة القاهرة.
جميع مظالم الفلسطينيين معززة في قراءة موضوعية للقانون الدولي، بما في ذلك أمر المستوطنات والقدس واللاجئين والحدود والماء.
•  لا يمكن أن يتحقق سلام بدون عدالة، هل من الصحيح إجراء "محادثات" السلام النهائية قبل تحكيم المطالبات المتنافسة أمام المحاكم وقبل تطبيق العديد من أحكام القانون الدولي المعلقة وقرارات الأمم المتحدة؟ بأي حال، لماذا لا تقوم بعثة أممية حيادية بالإشراف على الحل النهائي لهذا الصراع الطويل بدلاً من الولايات المتحدة أو اللجنة الرباعية؟
- صحيح، إذا كانت الأولوية للانتهاء بسلام عادل ومستدام، فيجب تطوير إطار يتمتع بخاصيتين اثنتين: حيادي لكلا الطرفين وحساس لأهمية الحقوق تحت القانون الدولي. وهذه الحساسية هي لصالح الفلسطينيين بسبب أن جميع مظالمهم معززة بقراءة موضوعية للقانون الدولي، بما في ذلك أمر المستوطنات والقدس واللاجئين والحدود والماء.
شرعية محمود عباس
•  ما هو مقدار شرعية الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالأخذ بعين الاعتبار أنه بقي في كرسي الرئاسة لفترة أطول مما يحق له؟
- موضوع شرعية الرئيس عباس هذا يثيرالمشاعر الذاتية للشعب الفلسطيني. لأن السلطة الفلسطينية هي كيان سياسي عرضة للضغوط والتلاعب. وأمر الرئاسة ينظر إليه كأمر ثانوي غير ذي أهمية. أداء الرئيس عباس من أجل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة خلال السنوات الثلاث الماضية في الأمم المتحدة نال احترام العديد من الحكومات واحترام الكثير من الفلسطينيين. يبدو عباس كقائد مأزوم بين واقع موقعه كرئيس تدور حوله الشبهات وبين عدد من الفرص التي سنحت له لاستعراض الطموحات الوطنية ومحاولة نيل الدعم لحقوق الشعب الفلسطيني. إن الانفصام مع حماس والفشل في إيجاد معادلة لإعادة اللحمة الفلسطينية بعين الغرب، هي نقاط ضعف للسلطة الفلسطينية وإدعائها بتمثيل الشعب الفلسطيني كاملاً. كما والفشل في إجراء انتخابات كانت مقررة يسلط الضوء على عدم كفاءة السلطة الفلسطينية والقيادة الفلسطينية.
 حل الدولتين
•  هل تعتقد بأن حل الدولتين ما يزال ممكناً؟
- كلا. أعتقد بأن أوسلو قد بات في عداد الموتى منذ سنوات، و ذلك بسبب سياسات إسرائيل في التعدي على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية والحقوق الرمزية للفلسطينيين، وخصوصاً استمرار إسرائيل في توسعة أرخبيل المستوطنات غير الشرعية وتشييدها لجدار الفصل العنصري على الأراضي المحتلة وعمليات التلاعب السكاني في القدس الشرقية. إن الاستمرار بالتظاهر بأن أوسلو وخريطة الطريق ما يزالان يشكلان المسرب الوحيد لتحقيق السلام يخدم الغايات الأميركية والإسرائيلية فقط، الهادفة لتهدئة الاحتجاجات المتعلقة باستمرار هذا الصراع. ومباحثات السلام هذه لا تمثل سوى محاولات دبلوماسية لصرف النظر عن معاناة الفلسطينيين ومظالمهم وإسكات الانتقادات ولجم تزايد حركة التضامن العالمية مع القضية الفلسطينية.
• إن قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة سنة 1947 كان غير أخلاقي وغير قابل للتطبيق. فهل تعتقد بوجوب إعادة كامل "فلسطين التاريخية" ليتم تشارك الجانبين بها بطريقة اكثر عقلانية؟ وهل تعتقد بوجوب تحويل القدس وبيت لحم لمدن دولية شمولية كما كان مقرراً عبر القرار الأممي أصلاً؟
- بالنسبة لي، فإن العيب الأساسي بمقترحات التقسيم الواردة في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 كان في الفشل في استفتاء الشعب المقيم في فلسطين حينذاك. وعيب ثانوي أيضاً كان في منح 55 % من أراضي فلسطين للأقلية اليهودية التي كانت تقيم في فلسطين والممثلة بالحركة الصهيونية والتي لم تصل نسبتها سنة 1947 الى 7 % من سكان فلسطين ليتم تحديد مستقبل فلسطين من قبل غرباء، حتى ولو افترضنا فيهم حسن النية كما وهو ما لم يكن عليه الحال أبداً، فإن ما سبق يجافي وجوب وضع حل يضمن مستقبل شعب وحقوقه التاريخية في تقرير المصير. وفي حالة فلسطين، فإن وعد بلفور وما أفرزه هذا الوعد من تحكم بمصير فلسطين ومستقبلها وبصفته وعدا مدانا هو مثال آخر على "الاستعمار الاستيطاني". وهذا مثال قاسٍ من أمثلة "الاستعمار الاستيطاني" لأن المستعمرين ليس لهم وطن اصلي ليعودوا إليه. هم كمن راهن على شيء دون حفظ خط للعودة وكمن قام بلعب البوكر وراهن بكل ما يملك في جولة واحدة دون الاحتفاظ بما يمكنه من الاستمرار في اللعب إن خسر تلك الجولة.
 محكمة الجنايات الدولية
•  بخصوص دور محكمة الجنايات الدولية بصفتها جهازا تابعا للأمم المتحدة. لماذا لا تقوم محكمة الجنايات الدولية بالبدء بمحاكمات خاصة بحق الجرائم الإسرائيلية مستندة الى تقارير للأمم المتحدة وجبال من القرائن والأدلة المتوفرة لها وخصوصاً في ضوء ترقية وضع فلسطين في الأمم المتحدة الى دولة غير عضو؟
- ليس هناك حجج مقنعة لخنوع محكمة الجنايات الدولية وخضوعها امام انتهاكات إسرائيل الإجرامية لحقوق الشعب الفلسطيني. وكضرب من ضروب التكهن، فمن المعقول افتراض غياب الإرادة السياسية لمكتب المدعي العام وذلك لخوض تحقيق سوف تعترض عليه وتقاومه كل من إسرائيل والولايات المتحدة. وهناك انتقادات لمحكمة الجنايات الدولية مؤخراً بسبب تحيزها الواضح للمصالح الغربية وفشلها على سبيل المثال في التحقيق فيما إذا كانت حرب بريطانيا و الولايات المتحدة على العراق هي جرائم حرب وانتهاك لنظام روما الأساسي الخاص بمحكمة الجنايات الدولية. كذلك، يتذمر الاتحاد الإفريقي باستمرار بسبب التركيز على تجريم القادة الإفريقيين فيما يتم التغاضي عن كافة المظالم و تجاهل الجرائم التي يتسبب بها الغرب وقادته.
المسؤولية عن حماية فلسطين
•  نسمع منك ومن آخرين العديد من المناشدات للتدخل من أجل الحد من الكوارث الإنسانية، وعلى سبيل المثال أزمة المياه في غزة. من تناشدون بالتحديد؟ وما هو تسلسل المسؤولية من اجل التدخل الذي تطالبون به؟
- في أروقة الأمم المتحدة وفي المجتمع الدولي هناك تصاعد للشعور العام للمطالبة بالتضرع بمسؤولية الحماية، مسؤولية حماية الشعوب الخاضعة لتهديدات الكوارث الإنسانية الخطيرة أو الكوارث البيئية. وهذه المشاعر أسميها: "العولمة الأخلاقية".
بالحقيقة، فإن دبلوماسية "مسؤولية الحماية" كانت قد أثيرت الشكوك حول استعمالها كأداة جيوسياسية، وبشكل درامي، كما تم استخدامها كأساس معياري لتبرير تدخل حلف الناتو في ليبيا. وفيما يتعلق بليبيا، فإن تبرير التدخل كان للحيلولة دون حدوث مجزرة بحق المدنيين في مدينة بنغازي، لكن العمليات العسكرية كانت مصممة لاستئصال النظام الليبي في طرابلس وتغييره. أما بما يتعلق بغزة حيث المأساة الحالية تجاوزت حدود اليأس، تصمت الأمم المتحدة ويصمت المجتمع الدولي كصمت الحجارة في حين تتفاقم المعاناة الإنسانية وتتجاوز قدرة الشعب هناك على البقاء.
•  رأينا مؤخراً تدخل الأمم المتحدة لإدخال الوقود الى قطاع غزة وهي تتأرجح على حافة أزمة صحية كارثية. هناك الكثير من هذه الحالات الإنسانية الطارئة التي تشكر إسرائيل على مفاقمتها عبر حصارها الخانق والمستمر. لماذا لا تأخذ الأمم المتحدة على عاتقها تزويد القطاع بالوقود بشكل مستمر؟ كذلك تزويد القطاع بالأدوية والتجهيزات الطبية وقطع الغيار ما الى ذلك؟
- لا يمكن استيعاب الحالة المأساوية لقطاع غزة دون الأخذ بعين الاعتبار السياق السياسي للوضع، وقبل كل شيء الخلاف بين فتح وحماس، وموقف إسرائيل من غزة بعد "فك الارتباط" سنة 2005 وفرض الحصار العقابي في منتصف 2007 بعدما سيطرت حماس على حكم غزة. لا يمكن للأمم المتحدة تجاوز الأولويات الجيوسياسية، وطالما أن من مصلحة إسرائيل وواشنطن معاملة حماس على أنها "منظمة إرهابية"، تبقى الأمم المتحدة مقيدة في حدود تقديم الإغاثة لشعب غزة، الذين هم ضحايا سياسة إسرائيل في "العقاب الجماعي" غير الشرعية والمحرمة دون أية شروط بموجب المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة.
بعد الانقلاب العسكري في مصر في الثالث من تموز 2013 (بمرجعية الانتفاضة الشعبية العارمة ضد الرئيس محمد مرسي والإخوان المسلمين)، نجد أن نظام الحكم القائم في غزة هو بحد ذاته في خطر. وشبكة الأنفاق قد تم تدمير الجزء الأكبر منها من قبل الجيش المصري وإغلاق معبر رفح الواصل بين غزة ومصر، ومن ثم عزل أهل غزة وخلق أزمات طارئة بسبب حدة نقص الوقود، ما سبب تقنينا حادا في تزويد أهل غزة بالكهرباء.
النتائج مروعة للغاية، مياه عادمة تفيض في الشوارع، نقص حاد في الكهرباء بما يمنع استمرار عمل الأجهزة الطبية الخاصة بإبقاء المرضى على قيد الحياة، أزمة وقود تحد من استمرارية النشاطات الاقتصادية، حدود مغلقة تحكم الخناق على مصير 1.6 مليون إنسان غزي. قبل تدهور الأوضاع المأساوي هذا بوقت طويل، اطلق المراقبون على غزة لقب "أكبر سجن غير مسقوف على وجه المعمورة".
 سرقة إسرائيل للماء والغاز الفلسطيني
•  ماذا تفعل الأمم المتحدة لحماية المياه الجوفية الفلسطينية الثمينة بسبب ندرتها وحقول الغاز على الشواطئ الفلسطينية من عمليات النهب الإسرائيلية؟
- مجدداً، ليس بجعبة الأمم المتحدة من قدرات مستقلة، ولن يكون لها ذلك ابداً بما يتحدى إسرائيل ويحمي الحقوق الفلسطينية. هي قضية تلاعب جيوسياسي وضحاياها هم الفلسطينيون. ولقد ثبت أن نهب إسرائيل المشين لمياه فلسطين وأرضها ومواردها الطبيعية هو جريمة مهولة بحق الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال منذ 1967.
إن واقع وقساوة الهيمنة العسكرية الإسرائيلية المرتكزة على العضلات الأميركية الجيوسياسية تطغى دائماً على مطالبات الفلسطينيين بحقوقهم الشرعية.
•  لماذا لا يسمح لفلسطينيي غزة بحرية التنقل بدون قيود من والى غزة بالرغم من تكرار المطالبات بذلك. فمن المفترض أن غزة والضفة الغربية هما مناطق متآخية، لكن لا يسمح لطلاب غزة بارتياد جامعات الضفة الغربية الممتازة. وكذلك، لماذا يستمر تقييد صيادي غزة ضمن جزء يسير من مياه غزة الإقليمية بخلاف الاتفاقيات المبرمة في هذا الخصوص كما يستمر إطلاق النار عليهم كلما ذهبوا للصيد؟ لماذا لا يتم محاكمة إسرائيل على أعمال القرصنة في المياه الدولية ضد البعثات الإنسانية التي تحاول الوصول لغزة؟
- كما قمت بذكره، فإن واقع وقساوة الهيمنة العسكرية الإسرائيلية المرتكزة على العضلات الأميركية الجيوسياسية تطغى دائماً على مطالبات الفلسطينيين بحقوقهم الشرعية. في هذا الصدد، فإن الظلم الذي يرزح تحته الشعب الفلسطيني، لا يمكن تحديه سوى بالمقاومة الفلسطينية وحركة التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني. كما يجب فضح كل الانتهاكات الإسرائيلية بما يرفع من قدر الوعي العام العالمي ويساهم في حشد التضامن والدعم للنضال الفلسطيني. لكن من العبث بمكان توقع اتخاذ الأمم المتحدة لإجراءات تتجاوز قدرتها على فعل شيء على الإطلاق. فالمنظومة الدولية الممثلة بالأمم المتحدة بكامل هيئاتها، جنباً الى جنب مع هيكلية تمويلها يضعها في موقع الابتزاز الجيوسياسي فيما يتعلق بحالات محددة. وحق "الفيتو" الذي تتمتع به الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن هو بحد ذاته أحد نقاط ضعف الأمم المتحدة منذ تأسيسها.
•  من سيقرأ كلامك هنا سيصل إلى نتيجة فحواها ان قوة أميركا الجيوسياسية إضافة للقوة العسكرية الإسرائيلية يمكنهما معاً تجاوز أي قانون دولي إنساني. بعد وعد "نورمبرغ"، كان بحوزة مؤسساتنا القضائية القوة الكافية لجلب أي مجرم نازي للمحاكم. لكن مجرمي الحرب الحديثين يتجولون بحرية وعجرفة وهاماتهم مرتفعة. أي أمل هناك يا ترى لإنسانيتنا وعالمنا الجديد الشجاع إذا ما استمرت هذه الغطرسة؟
- إن تجربة "نورمبرغ" اعتمدت على "عدالة المنتصرين"، ليتم فيما بعد تجريم زعماء العالم المهزومين في حين يتم إعفاء المنتصرين من تبعات جرائمهم. كان هناك وعد في "نورمبرغ" بتعميم طريقة محاسبة الألمان على جميع من سيرتكب جرماً بحق الإنسانية في المستقبل. لم يتم الوفاء بوعد "نورمبرغ" حتى الآن، وقادة الدول العظمى من السياسيين والعسكريين يفلتون من أي عقاب في حين يتم اقتياد القادة المهزومين (مثال صدام حسين وسلوبودان ميلوزيفتيش) أوقادة الدول الإفريقية الصحراوية لمحاكم الجنايات الدولية. ازدواجية المعايير هنا تسود، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا يتعلق ومدى شرعية قانون الجنايات الدولي الذي يجرم الضعيف ويبرئ القوي، حتى إن حصل المتهمون من القادة الضعفاء اوالمهزومين على محاكمات عادلة ليتم أخذ القصاص منهم فقط إن تمت إدانتهم.
خلاصة القول أننا نعيش الآن في عالم تسود فيه سلطة القوة على سلطة الحق بين الدول. وها هو نفوذ إسرائيل الجيوسياسي يمكنها من تحدي كافة القواعد الأساسية للقانون الدولي فيما لا يتم محاسبة قادة إسرائيل على ما اقترفوه من جرائم. أماالمحاكم الوطنية، فبالإمكان تعزيزها بما يطلق عليها قانونياً "الولاية القضائية العالمية" من أجل التحقيق في الجرائم، وتوجيه الاتهام، ومقاضاة وإدانة ومعاقبة أي شخص متهم بالجرائم الدولية في حال كان بالإمكان استحضاره شخصياً للمحاكم ذات العلاقة. في سنة 1998، تم توقيف الديكتاتور التشيلي "أوغوستو بينوشيت" في لندن بناء على طلب تسليم قضائي صادر بحقه من قبل الحكومة الإسبانية، وفي نهاية إجراءات التقاضي المطولة، تم إعادته الى تشيلي بسبب أوضاعه الصحية ولم يظهر منذئذ أمام أية محاكم في إسبانيا. كذلك هو الحال لعدد من القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين الذين يتجنبون السفر لدول يسمح قانونها الجنائي بالتقاضي بواسطة "الولاية القضائية العالمية".
هناك احتمالية أخرى عبر عقد محاكمات شعبية كتلك التي قامت مؤسسة بيرتراند راسيل بإنشائها في بروكسيل والتي قامت كذلك مؤسسة ليليو باسو بإنشائها في روما. قامت مؤسسة بيرتراند راسيل برعاية أربعة دورات مكرسة لإدعاءات مختلفة بجرائم منسوبة لحكومة إسرائيل. كما أصدرت العديد من الوثائق المقنعة بصحة الإدعاءات هذه، وأصدرت أحكاما تدعو لمبادرات من قبل المجتمع المدني. هذه المحاكم، وبالرغم من انها تعتمد على أدلة موثقة وتعمل وفق الأحكام ذات الصلة بالقانون الجنائي الدولي، إلا أنها لا تتمع بأية صفة رسمية كما تفتقر للأدوات التنفيذية. دورها مقتصر في توثيق القضايا ضد دول وتوفير الدعم الرمزي للذين يمكنهم إثبات أن انتهاكات للقانون الجنائي الدولي قد حصلت بحقهم. وهذا ما يمكن أن يؤثر في الرأي العام العالمي، ولربما العمل على تغيير موازين القوى السياسية عبر تقويض شرعية دول تستعمل أساليب القهر لتحقيق غاياتها كما هو الحال بالنسبة لإسرائيل واستمراية قهرها وحرمانها للشعب الفلسطيني من ممارسة حقه الجماعي في تقرير مصيره.
الانشقاق الفلسطيني
• ماهي برأيكم احتمالات بلوغ فتح وحماس مرحلة من الوحدة الوطنية، وكيف يجب أن يلعب الفلسطينيون أوراقهم في المستقبل؟
- هناك اعتقاد تام بين الفلسطينيين والمتضامنين معهم بأن الوحدة الوطنية الفلسطينية هي حاجة ماسة للمضي في نضالهم المشروع. وهذه الوحدة كانت حقيقة واقعية قبل عدة عقود من الحركة الوطنية الفلسطينية بغض النظر عن الاختلافات الإيديولوجية المتعلقة بالتكتيكات والأهداف، لكن ضمن تصميم مشترك على تحقيق التحرر الوطني الفلسطيني. كذلك، كانت زعامة ياسر عرفات غير المتنازع عليها ذات اهمية كبيرة.
لقد سعت إسرائيل لفرض سياسة أطلق عليها "سياسة التقطيع أو التجزئة" التي تم تصميمها لتقويض الوحدة الوطنية الفلسطينية. وهذا بالفعل ما تحقق وبشكل مثير للذعر. كذلك، فقد ساهمت اتفاقية "أوسلو" للوصول لهذه النهاية عبر تقطيع اوصال الضفة الغربية لمناطق "أ" و "ب"
و "ج" وعبر فسخ إدارة قطاع غزة عن باقي فلسطين. كما أإن ظهور حركة حماس ساهم في إبراز حالة التشرذم هذه، الأمر الذي كان موضع ترحيب من قبل إسرائيل بالرغم من إدعائها بإدانته.
صرف النظر عبر التشهير
•  أخيراً، لقد تم تشويه محاولاتك القوية للدفاع عن الحقوق الفلسطينية لدرجة أدت للمطالبة المشبوهة بتنحيتك. هل على الشعب الذي تدافع عن حقوقه أن يقلق بسبب ذلك؟
•  إن تكرار الهجوم علي شخصياً وعلى آخرين حاولوا التمسك بمقتضيات القانون الدولي والعدالة السياسية هو جزء من حملات متعمدة من قبل إسرائيل و كوادرها في المجتمع المدني من أجل صرف الانتباه عن المظالم الجوهرية والمعاناة القاسية للشعب الفلسطيني. هي تماماً كما وصفتها "بسياسات صرف النظر" حيث الغاية منها استهداف المرسل وتشويه صورته لصرف النظر عن الرسالة التي يؤديها. كما كان للإعلام دور فاعل في ذلك بواسطة أصدقاء إسرائيل من المتنفذين في حكومات عدة منها حكومات المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية وكندا. بطبيعة الحال، هناك العديد من المنظمات غير الحكومية وغيرها من لهم باع في صناعة الرأي العام لا يؤيدون هذه التكتيكات. في حالتي، حملات التشهير في الأمم المتحدة بشكل خاص كان لها آثار غير سارة، لكنها لم تمنعني من حرف اتجاه جهودي والقيام بمهمتي كشاهد صادق تحت سيف قسم الشهادة بالحق.
•  شكراً جزيلاً على كرمك بالوقت الذي منحته لتشارك العالم تقديراتك للوضع الراهن. لكن وقبل ذهابك، وحيث اننا على أبواب أعياد الميلاد، ما هو طبيعة الأعياد التي يجب على أطفال غزة انتظارها؟
- أنا أتخيل فقط مقدار الرعب المفروض على أطفال غزة وكبارها على السواء خلال أعياد هذه السنة: من الحياة وسط مياه الصرف الصحي العادمة الى البرد القاسي وندرة مقومات الحياة والخراب والشعور بأن هناك عالماً في الخارج لا يكترث بهذه المعاناة،،، كل ذلك الظلم المستمر ،،، و كل تلك الكراهية العمياء.
لكن بالرغم من ذلك، فأنا اعلم بأن هناك في غزة شعب، وبالرغم من ظروف حياة هذا شعبا القاسية، أنا أؤمن بأن هناك متسعا للإبتسام والضحك والحب، كما أن هذه الروح المقاومة ما تزال موجودة بين أطفال المكان المحاط بشرور العالم أجمعه.
على أقل تقدير، على أولئك منا، ممن نعيش برغد الحياة، ألا نصرف نظرنا عن أطفال غزة في الأعياد المقبلة: علينا ان نطالب بتعاطف قادتنا واهتمامهم الشخصي بقدر الإمكان، عبر نشر التعليقات والتضرع بالصلوات وتقديم الهبات وصرخات الرأفة! علينا أن لا ندع أيام احتفالات هذه السنة تمر بأنانية الشعور بفرحة العيد وأناشيد المناسبة بما ويتناقض والمصير البائس المفروض قهراً على أطفال غزة الأبرياء.

نشرت هذه المقابلة على موقع  Alter Info والرابط الإلكتروني: