سرقة محول كهرباء المستشفى: شروع تام بالقتل

د. محمود عبابنة
د. محمود عبابنة

د. محمود عبابنة

الخبر الصادم الذي أوردته الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام، ومفادهُ إقدام شخص أو أكثر على خلع وسرقة محول الكهرباء الرئيس المغذي لمستشفى الاميرة بسمة في محافظة اربد، ربما يكون قد طغى بأثره على أهم أحداث الأسبوع الماضي، ولا شك في أن تأثيره السلبي على معنوياتنا قد تقلص قليلاً بخبر نجاح نشامى القوات الأمنية بإلقاء القبض على الفاعلين، وبوشر إجراء التحقيقات الأولية معهم.اضافة اعلان
نعرف أن ظاهرة الجريمة ظاهرة إنسانية تناولتها آلاف الدراسات ومدارس علم الجريمة، وقد توصلت جميعها الى أن الجريمة لن تختفي في أي مجتمع مهما كانت التشريعات والأنظمة على قدر عالٍ من الكفاءة، وكذلك جريمة السرقة؛ فلا يخلو مجتمع من اللصوص سواء كان منهم البسطاء أو ذوو الياقات البيضاء، لكن الإقدام على سرقة محول رئيس مغذٍّ لمستشفى يؤوي بين جنباته مئات المرضى، هو فعل يرقى الى ذروة الخطورة الجرمية والانحدار الأخلاقي الذي وصلنا إليه، فقد كنا في السابق نستهجن الاعتداء على خطوط المياه التي وصلت في عام 2018 الى 1200 حالة اعتداء، ووصلت سرقات المياه من الخطوط الرئيسة الى 136.000 سرقة، أما الاعتداء على خطوط الكهرباء وقطع أسلاكها لحرقها وبيع ما تحتويه من النحاس بالكيلو فحدّث ولا حرج، لكن الإقدام على سرقة المحول الرئيس المغذي لتشغيل مستشفى هو جريمة شروع تام بالقتل وهذا تطور خطير وجديد وظاهرة غير مألوفة، فعندما خطر على بال اللصوص تفكيك محول الكهرباء الذي يغذي المستشفى، فإنهم كانوا على علم بأن أجهزة المستشفى، ومنها أجهزة التنفس الصناعي وأجهزة خداج الأطفال وغرف العناية المركزة ستتوقف، وبذلك تكتمل عناصر القصد الخاص والعام، ولنفترض أن هذا المحول البديل لم يعمل أو لا يوجد فيه وقود كافٍ، فما هي النتيجة المنتظرة؟! أليس من الممكن موت عشرات المرضى!، هل وصل الحال بمجتمعنا إلى أن يوغل بعض أفراده في السلوك الاجرامي والكراهية وغياب الضمير بسرقة محول مستشفى؟! ولذلك أرى أن التكييف القانوني هو الشروع التام بالقتل.
قبل الوصول الى قمة هذا الإسفاف الأخلاقي لنراجع أنفسنا ونستذكر التدرج السفلي، ابتداءً من بائع اللحوم الذي يبيع اللحم الأسترالي على أنه بلدي! وبائع اللبن الذي يبيع اللبن والحليب الممزوج بالماء، وزيت الزيتون المخلوط بزيت الذرة، والتاجر الذي يزيد الأسعار على بضائعه من العام الماضي، وسائق سيارة الأجرة الذي يستغل السائح، والمراسل الذي لا يحضر الملف إلا بعشرة دنانير، ودوريات اللصوص التي تسرق أغطية المناهل لبيعها في سوق السكراب.
نشتط كثيراً وتأخذنا الحميّة ونتغنى بالنشمي والنشمية ونغض الطرف عن كثير من تصرفاتنا المُشينة، والتي لا يمكن ضبطها، لأننا لا نستطيع أن نضع دورية شرطة في كل شارع أو حارة، ثم نوجه سهام النقد إلى الحكومة والمسؤولين والجهات الأمنية، ونسأل عن موازنة الدولة وكيف يتم صرفها، صحيح أن الحكومة ليست بريئة دائماً وأجهزة الدولة تفتقر الى الحوكمة الرشيدة، وأن هناك مصاريف لا داعي لها تتعلق بمياومات سفر لا داعي لها وشراء سيارات تزيد على الحاجة، ولكن هذا كله ليس سبباً في الانحدار الأخلاقي الذي يوغل في مجتمعنا، وأن جزءا من موازنة الدولة هي لشراء محولات كهرباء وأغطية مناهل ومواسير مياه بدل المفقود والمسروق والضائع.