سر اللاعب رقم "12"

لم يكن فوز المنتخب الألماني بكأس العالم الأخيرة مفاجئا؛ فالألمان مرشحون دائمون للفوز بالبطولات الكروية، جنبا إلى جنب مع عدد من عمالقة هذه اللعبة. لكن الجديد في فوزهم، كان اعتمادهم على تحليل المعلومة الرقمية لأداء فريقهم، كما للمنافسين، من خلال جمعهم للبيانات الضخمة "Big Data"، وتحليلها للبناء عليها في إعداد الفريق، ولتكون هذه البيانات هي اللاعب الثاني عشر في الفريق، والذي يؤكد كثيرون دوره البارز في الفوز بالبطولة.اضافة اعلان
إذ على مدار سنتين، قام خمسون طالبا من كلية التربية الرياضية في جامعة كولون بتحليل كل حركات وسكنات لاعبي الخصم؛ نقاط القوة والضعف لديهم؛ سرعتهم؛ المساحات التي يشغلونها؛ نسبة التسديد على المرمى؛ مراوغاتهم... وغيرها الكثير من سمات أدائهم على أرض الملعب، من خلال تحليل ملايين الصور والفيديوهات. وتم التعاقد مع عملاق البرمجيات شركة "SAP" الألمانية لتحليل هذه البيانات عن أداء اللاعبين، وذلك لتمكين الجهاز الفني للفريق من العمل على تحييد نقاط القوة للمنافسين، واستغلال نقاط ضعفهم.
لم تكن كرة القدم اللعبة الوحيدة التي تُستخدم فيها التكنولوجيا لتحليل المعلومات لصالح الفريق، فقد طُبقت هذه التكنولوجيا في رياضات أخرى، مثل التنس وكرة السلة وغيرهما.
ولا شك أن أي كمبيوتر أو برمجية لن تمكن فريقا من غير الموهوبين من الفوز. ويجب أن يسبق التكنولوجيا إعداد بدني ونفسي جيد، مبني على أسس علمية.
إن فهمنا لفكرة لعبة القدم قد تغيّر؛ فلم تعد تلك اللعبة الرومانسية مجرد لعبة يمارسها الفقراء، وأبناء الحي في الأزقة للتسلية! بل دخل العلم إلى مناحيها كافة، وأصبحت الدول توظف جيوشا من العلماء في جميع المجالات من أجل إعداد الفرق ولاعبيها بشكل ممتاز.
غني عن القول إن عصرنا هو عصر المعلومة، ومن يملك المعلومة ويتحكم بها يملك القوة. لذلك، نجد الدول الكبرى وأجهزتها الاستخبارية، تنفق مليارات الدولارات من أجل امتلاك المعلومة في عالم يضخّ من المعرفة يوميا أضعاف ما كان يفعله في سنوات! ويبقى التحدي في القدرة على تحليل هذه المعلومات والبيانات، وتحويلها إلى معرفة، وتطويعها لخدمة البشرية.
فانتشار الأجهزة الذكية، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، يؤمن قناة هائلة من البيانات حول سلوك وأنماط حياة البشر، مما ندعوه بالبيانات الضخمة. وتُستخدم هذه البيانات في مختلف مجالات النشاط البشري.
ففي مجال الصحة مثلا، تتيح هذه البيانات رؤية مستمرة، وغير مسبوقة، وشاملة لطبيعة حياتنا وسلوكنا الفردي؛ أين نسكن، وأين نعمل، وما هو مستوى نشاطنا، وعادات السفر، وماذا نأكل ونشرب، ومن هم الناس الذين نتفاعل معهم!
ويمكن ربط هذه البيانات المستقاة من المعلومات العامة، مع السجلات الصحية، والبيانات السكانية، والمعلومات الجينية، بحيث تتيح لنا فرصا جديدة لاكتشاف النماذج الصحية للبشر، والقدرة على التنبؤ بالتحديات الصحية على المدى الطويل، ناهيك عن تخفيض كلفة الرعاية الصحية.
كما يمكن الاستفادة من هذه البيانات في مقاومة الأمراض المعدية، والحد من انتشارها، والتقليل من انتشار الأمراض غير المعدية، بربطها بأنماط معينة من الحياة والسلوك البشري. 
لا أحد يعلم ما إذا كانت ألمانيا ستفوز بكأس العالم من دون اعتماد هذه التكنولوجيا الحديثة! لكن الثابت أن المعلومة أصبحت حجر الزاوية الذي تبنى عليه النشاطات البشرية كافة.