"سعف".. تسخر طاقات الشباب في القرى لإعادة تصنيع ورق النخيل

تغريد السعايدة

عمان- يأتي الإبداع والفن مما تجود به الأرض وتعطيه، ويتضح جماله حينما يكون العمل نابعا من القلب، كما فعلت الدكتورة نهاية قاسم عندما قامت بتطوير مبادرتها "سعف" للاستفادة من مخلفات ورق النخيل في صناعة منتجات منزلية.اضافة اعلان
وانطلاقاً من أهمية المحافظة على البيئة، نظراً لما يعانيه العالم أجمع من تلوث بيئي باتت مؤشراته السلبية واضحة؛ عمدت قاسم، من خلال عملها الفردي، ومن كونها جزءا من وكالة البحر الأحمر للإعلام البيئي والحفاظ على البيئة البحرية، إلى إطلاق مبادرة "سعف" العام 2008.
واتجهت قاسم إلى أكثر المناطق فقراً في الأردن، لاستخراج الإبداع والتفكير خارج الصندوق في تلك الأماكن وعبر تدريب الفتيات والشباب على حرفة تصنيع السعف بطرق مختلفة.
وتركز قاسم، في عملها هذا، على معلوماتها العلمية ودراستها التي تتمركز جميعها حول البيئة والتراث بشكل عام، فكان أن دمجت مبادرة إعادة التدوير للحفاظ على البيئة مع صنع الأشكال المرتبطة بالتراث الأردني.
في العام 2008، كانت الانطلاقة من قرى الجنوب لإخراج الطاقات وتوفير فرص العمل المختلفة، فارتأت قاسم أن تبدأ بها، فكانت قرى وادي عربة مثل رحمة، قطر، القويرة، الريشة، دبة حانون، الراشدية، بالإضافة إلى قرى الأزرق والصفاوي والأغوار، من شمالها إلى جنوبها، ومحافظة المفرق الأوفر حظاً بالتدريب، وتم تدريب ما يقارب 700 شاب وفتاة وسيدة من كبار السن، جميعهم أصبح لديهم قدرة على العمل الحرفي في مجال صناعة السعف.
وبينت قاسم أن تنظيم الجلسات التدريبية للمستفيدين من تلك الدورات يتم بالتعاون مع عدد من الجمعيات التعاونية والخيرية، التي تفتح ذراعيها لاستقطاب الراغبين وتوفير المكان الملائم لهم؛ إذ إن عملها يحتاج إلى مكان ملائم لفرش السعف وتنظيفه وقصه وتكوينه.
غير أن قاسم أكدت أنها تعمل على إيجاد مكان دائم يتم فيه التصنيع بشكل مباشر أمام الجماهير أو الزبائن، كما في المناطق السياحية، على سبيل المثال، حتى يتكون لدى الكثير من الناس فكرة عن مدى أهمية هذا العمل الحرفي الفني الذي يمثل التراث، ويفتح المجال لإيجاد فرص عمل لعدد من المتدربين.
ولكن، بعد سنوات من التدريب المتواصل، قررت قاسم أن تنهض بالعمل الحرفي وتحويله من إعادة تدوير للمحافظة على البيئة فقط، إلى عمل حرفني مهني يعود بالفائدة على المجتمع من الناحية المادية، منذ العام 2017، واختيار منطقتين لتنفيذ المشروع هما وادي عربة ورم والقويرة؛ حيث إن تكلفة الإنتاج قليلة جداً ولا تتطلب الكثير من المال. ويتم جمع السعف من المزارع بدلاً من حرقها للتخلص منها، ومن ثم تنظيفها وتجفيفها والبدء بعملية التصنيع بالأيدي.
وهنا تكون التكلفة فقط "بالعمل اليدوي"، بحسب قاسم، وعند بيع المنتج بأسعار مناسبة للزبائن، يكون كلا الطرفين قد حصل على فائدة من المنتج، بما يتناسب مع رغباته في اقتناء قطعة جميلة وصحية، ووجود مردود مادي للطرف الآخر، وهنا يكمن استغلال الطاقات التي تعج بها المملكة في معظم قراها وتحتاج إلى من يوجه لها الاهتمام والرعاية وتوفير التدريب.
وتم تقسيم المشروع إلى مرحلتين، وهما الأولى في مناطق جنوب الأردن، والمرحلة الثانية في رم والقويرة والديسي، ويأتي إطلاق هذه المبادرة من أجل إعادة إحياء حرفة يدوية تقليدية قد اندثرت في منطقتنا بينما هي من الحرف اليدوية التقليدية التي ما تزال تنتشر في بعض دول المنطقة مثل عمان والعراق والإمارات والكويت ومصر.
ولكون الأردن من الدول الغنية بمادة سعف النخيل الطبيعية، وخاصة في مناطق الأغوار والعقبة ووادي عربة وبكثرة، بالتالي "ليس هنالك حاجة لاستيرادها من الخارج، بمعنى أن التكلفة الفعلية للمادة الخام هي صفر"، كما تبين قاسم، مشيرة إلى أن المخرجات التي يمكن الحصول عليها من جراء استخدام أو توظيف سعف النخيل، كثيرة ومتنوعة، وخاصة تلك التي تتعلق بالمنتجات السياحية ذات الترويج السريع ورخيصة الثمن؛ إذ إن تكلفة إنتاج الأشياء التي سيتم تصنيعها رخيصة جدا ومنافسة لتلك المنتجات التي يتم استيرادها من الصين ودول شرق آسيا المختلفة.
وتأمل قاسم أن يكون المشروع "مُستداما"، وتكون الدورات والعملية التسويقية التي تطمح إلى إيجادها كفيلة بتشجيع بعض الأشخاص العاطلين عن العمل على امتهان هذه الحرفة من أجل إيجاد مصدر للدخل خاص بهم، فمن خلال عملها الترويجي للمنتجات، فإن كمية الطلب أكبر من العرض.
وتعتقد قاسم أن هذا الأمر "مُشجع" لأنه يكون هناك عدد لا بأس به من الحرفيين لتوفير المنتجات في السوق وبيعها بغض النظر عن طبيعة المخرج؛ إذ إن هناك طلبا على العبوات الصغيرة والكفرات والكراسي والسلال مختلفة الحجم، والطاولات الصغيرة، والمفارش، والمراوح الصغيرة، وعلب التغليف، وغيرها من الأشكال، وجميعها تحظى برضا الزبائن والراغبين بتلك المنتجات.
وسعف النخيل عبارة عن أوراق شجرة النخيل المركبة وهي ريشية الشكل، طولها يتراوح ما بين ثلاثة وستة أمتار تقريباً، وتنتج النخلة ما بين العشرة والعشرين سعفة في السنة، ويمتاز سعف النخيل بأنه القمة النامية في الشجرة، وبطول أوراقه، ومرونته، وقوته، ومتانته.
أما عن حجم السعف، فعرضه يزيد عند اتصاله بالجذع، وهو موجود بلونين الأصفر، والأحمر القاني إلى البني، وعمد الناس في العصور القديمة إلى استخدام سعف النخيل الجاف في العديد من الصناعات.