سقف الرسالة !

يعقوب ناصر الدين في ظل ظروف بالغة الدقة، ومرحلة يشهد فيها الأردن تحولا تاريخيا في مسيرته السياسية تأتي رسالة جلالة الملك نهاية الأسبوع الماضي بشأن مسألة حساسة، بحكم أنها تتعلق بأحد أفراد الأسرة الهاشمية لتضعنا جميعا أمام اختبار حقيقي للمدى الذي يمكن أن نذهب إليه في التفكير والتحليل والفهم، ليس لمضمون الرسالة وحسب بل لفضاء وطني يرتفع فيه السقف حدا أبعد مما يمكن لمسه أو رؤيته إلا إذا تمكن المرء من الارتقاء إليه. على عكس ما يقول البعض من أنها رسالة مفاجئة وصادمة، فهي في الحقيقة منسجمة مع سياق « قضية الفتنة « التي تابع الجميع تفاصيلها الأمنية والقضائية منذ شهر نسيان (ابريل) من العام الماضي، وكانت تلك هي الصدمة التي كادت تهز سلامة الدولة نظاما وشعبا ومؤسسات لولا أن جلالة الملك عرف كيف يفكك بعض عناصر تلك القضية عن بعضها لتظل في حدود يمكن إدارتها بالحكمة والصبر على أنها ملف داخلي، يعالج جانب منه أمام القضاء العام، والآخر في نطاق عائلي محكوم كذلك بمرجعيات دستورية وقانونية، وإجراءات حاسمة وفاصلة. رسالة مكاشفة وصراحة ووضوح تم توجيهها إلى « الأهل والعزوة « أي إلى الشعب الأردني لكي يعرف الحقائق، ما هو واضح منها وما يحتاج إلى قدر من التعمق، خاصة تلك الأبعاد من الدستور الذي ينظم العلاقة داخل الأسرة الهاشمية بما يعزز استقرار الدولة ومصالحها العليا، ومكانتها الإقليمية والدولية. قد تكون هناك خيارات أخرى لايصال الحقائق إلى الناس ، على ضوء ما أوصى بها المجلس المشكل بموجب قانون الأسرة المالكة، إلا أن الخيار الصحيح فرض نفسه، ذلك أن جلالة الملك لم يكن بحاجة لأن يقدم تبريرات لمسألة تخص شقيقا له، ولكن الأمر يخص ما هو أغلى وأعز منه عليه، إنه مصير بلد تحيط به التحديات والمخاطر من كل جانب، يسعى قدر جهده للخروج من أزمة اقتصادية عميقة ومركبة، ويناضل في سبيل تحصين نفسه من تطورات يكاد يدرك أكثر من غيره مصادرها ومواعيدها وآثارها الكارثية، وبالفعل لم يعد الوقت يسمح لكي نضيعه في شؤون لا تقدم مصلحة ، ولا تزيل هما ولا غما ! ها قد أصبح لدينا اليوم سقف أكثر علوا من أي سقوف مضت عليها أزمنة نعرفها، وهو سقف الحوار حول كل القضايا التي تمس حياتنا الوطنية، وتلك حياة لبلد أردني هاشمي، ليست التسمية فيه جناح يصف الآخر، فهو جملة مفيدة تدل على دولة يجتمع فيها النظام والشعب كأسرة واحدة موحدة، ورب الأسرة هنا هو القائد الذي يحسم الأمر، وهو المسؤول عن نفسه وعن أسرته وعن شعبه. في مساحة على هذا القدر من الرحابة يمكننا جميعا كأفراد أسرة واحدة أن نعتمد الشفافية في جميع شؤوننا ، وفي تحديد خياراتنا الداخلية والخارجية ، وإدارة مؤسساتنا العامة والخاصة ، وفي رسم خريطة الطريق لمستقبل الدولة وشعبها، فسقف الرسالة يرينا كم هي الشفافية والتشاركية والمساءلة ضرورية للدول الواثقة من نفسها ، والقادرة على تجاوز الأزمات، والتقدم إلى الأمام مستندة إلى الحوار الهادف والنقد البناء، وإلى الحقائق التي ترينا عناصر القوة والضعف، والفرص والتحديات، والأهم من هذا، وفي المقدمة منه، هو إخلاص النية في القول والعمل! المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان