سكة "الإخوان" والصالح العام

حسين الرواشدة يركب الإخوان المسلمون القطار من محطة الصالح العام، متى شاءوا، ثم يصرخوا: اركبوا معنا، وينسحب الاخوان من المحطة ذاتها، متى شاءوا، ثم يصرخون: انزلوا معنا، فيما الحقيقة أن ركوبهم ونزولهم، لا علاقة له بالصالح العام، وإنما لجردة حسابات مصالح وغنائم، أو خسائر وإخفاقات، تتعلق بهم وحدهم، كتنظيم سياسي، أو كعشيرة اجتماعية تعمل تحت المظلة الدينية. تحالف الإخوان بمنطق “مصلحة الجماعة” مع النظام السياسي لأكثر من ستين عاما، وأداروا ظهرهم لاهتزازات المجتمع ومطالبه بالإصلاح، واقتنصوا فرصة أحداث العام 89 التي لم يشاركوا فيها للحصول على مقاعد بالبرلمان، وحين داهمنا الربيع العربي، استشعروا قوتهم في لحظة فارقة داخليا وإقليميا ودوليا، فانقلبوا على الحليف وتنكروا له، بعدها دقت ساعة المحاسبة بين الدولة والاخوان، وانقسمت الجماعة لجماعتين، وثلاثة أحزاب. منذ تلك اللحظة بدأ الإخوان بتقديم أوراق اعتذارهم واعتمادهم للدولة، شاركوا بانتخابات البرلمان العام 2020، وفي لجنة التحديث السياسي، و”هذبوا” خطابهم السياسي تجاه قضايا كبيرة مر بها بلدنا، كل ذلك لأجل اقناع الدولة بإعادة العلاقة مع الجماعة كما كانت، لكن ذلك لم يكن واردا في الحسابات الرسمية، هنا فكر الاخوان، على ما يبدو، بامتحان الدولة على طريقتهم القديمة، فرفعوا ” دوز” معارضتهم بالبرلمان ضد التعديلات الدستورية، ومخرجات اللجنة التي شاركوا فيها وباركوها، ثم قرروا تعليق مشاركتهم بالانتخابات المحلية واللامركزية. لماذا فعل الإخوان ذلك؟ لثلاثة أسباب على الأقل، الأول أنهم قرأوا اللحظة التاريخية التي تمر بها الدولة، والتحولات التي تواجهها، مما يستدعي حضورهم كضرورة، ولكن هذا الحضور بحساباتهم يفترض أن يكون له ثمنه السياسي، بالاعتراف بهم والتحالف معهم من جديد. السبب الثاني هو أن الجماعة أدركت أنها فقدت جزءا كبيرا من رصيدها بالشارع، بسبب مواقفها وأزماتها والضغوطات التي مورست عليها، وأقصر طريق لاستعادة الرصيد المفقود هو “مناكفة” الدولة من جديد، خاصة بعد أن قدمت جزءا من المطلوب السياسي، وبالتالي فإن ما تفعله يندرج تحت بند “مناكفة” لا أكثر. أما السبب الثالث فهو أن ثمة قضايا عالقة بين الإخوان والدولة، مثل قضية النائب الذي تم تجميده لعامين، وقضية حل الجماعة التي حسمت قضائيا ولم تنفذ بعد، وملفات الأموال والممتلكات ..الخ، هذه كلها تدفع الاخوان للضغط من جديد باتجاه إبرام مقايضات مع الدولة، لتخفيف الضغط عليهم، أو تطمينهم بأن الماكينة الرسمية لا تعمل ضدهم، أو أنها، على الأقل، ستساعدهم بحلحلة بعض القضايا، أو تجميدها، بما يتيح للإخوان مرحلة من الاسترخاء، تسمح لهم بالحركة أكثر. لاحظ أن الأسباب الثلاثة تتعلق حصريا بمصلحة الجماعة، ولا علاقة لها أبدا بأي قضية وطنية تشغل المجتمع الأردني، لاحظ ثانيا أن حجة “العبث” التي أسندها احد المسؤولين بالجماعة للطرف الرسمي، باعتبارها السبب في تعليق مشاركتهم بالانتخابات المحلية، كان المقصود منها العبث بالجماعة لا بالمجتمع. لاحظ ثالثا أن الاخوان قبلوا المشاركة بلجنة التحديث، ولم نسمع منهم أي اعتراض على مخرجاتها، ثم انقلبوا عليها في البرلمان، وتبرأوا منها دون أن يستشيروا أحدا، لا حين شاركوا فيها، ولا حين تنكروا لها. لاحظ رابعا أن الاخوان تذرعوا بالتعليق استجابة لضغوط من قواعدهم، فيما شاركوا أكثر من مرة بالانتخابات البرلمانية رغم معارضة أغلبية القواعد، كما أنهم عاقبوا بعض قياداتهم بالفصل حين شاركت بالانتخابات خلافا لموقف الجماعة المقاطع آنذاك. لا يوجد ما يمنع الجماعة من اتخاذ ما تراه من قرارات تصب بخدمتها وخدمة قياداتها وأعضائها، لكن أرجو ألا يقول لنا أحد منهم أنهم فعلوا ذلك لمصلحة أغلبية الأردنيين، أو دفاعا عن قضاياهم ومطالبهم، ولا أن ينتظروا من الأردنيين أن يركبوا وينزلوا معهم، متى شاءوا، فقد جربوهم كثيرا، وآسف إذا قلت، لم يروا منهم إلا مزيدا من الانقسامات والتراجعات، وربما الخيبات أيضا.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

اضافة اعلان