سكري

عشت اياما صحية مضطربة إلى درجة كبيرة خلال ايام الاسبوع الماضي، فقد ألقى عليّ "السكري" ثقله، مرتفعا إلى درجات قياسية لم اعهدها من قبل، او ربما لم انتبه اليها من قبل.

اضافة اعلان

خلال الاعوام الخمسة الماضية من ضيافة جسدي لهذا "الصديق الصامت"، لم اكترث كثيرا، سوى في اول عامين، ولا أدري لماذا كنت حينها متشددا كثيرا في نوعية الطعام الذي أتناوله، ربما كان ذلك عائدا إلى صدمة المعرفة، حين تعلم انك ستضطر الى حمل "علامة فارقة" ما طيلة الايام المتبقية لك في الحياة!.

أو ربما كان إعلانا عن تحمل أعباء الضيافة لـ"كائن" لم تُستشر فيما إذا كنت ترغب في استضافته في الأصل!.

أعترف بأن اكتشافي للامر لم يكن سهلا، وأعترف ايضا بأن مداراة حالات الكيمياء التي تحتاج الجسد صباح مساء ليست بالأمر الذي يمكن التعامل معه بموضوعية، فالتعقيدات تتعدى مسألة ما نريد، نحو ما هو مفروض علينا. وبذلك نخسر موضوع الاختيار للمرة الثانية، ويفرض علينا الواقع من جديد.

العدد الكبير من الاطباء الذين اعتدت مراجعتهم، جميعهم حذروا من "اللامبالاة" و"التهور" في التعامل مع المرض.. كانوا جادين إلى درجة الملل، ومتجهمين إلى درجة الارتياح.. ولكن المشكلة الحقيقية التي واجهتني معهم، هي أنهم لم يحذروني من نوعية طعامي فقط، بل منحوني موعظة طويلة حول وجوب الاسترخاء الحياتي، وكتبوا لي "وصفة عصماء" عن الأمور التي ينبغي لي تجنبها من أجل أن أعيش حياتي من دون أي مضاعفات، فحذروني من التوتر والعصبية وتقلبات المزاج.. فمثل هذه الامور تؤثر في كيمياء الجسد التي من الممكن ان ترفع السكر في الدم.

ماذا أقول لأولئك الأطباء؟!

هل يريدونني كائنا جليديا بلاستيكيا مصنوعا بابتسامة عريضة على شفتيه؟!

هل يعتقدونني اعيش في الجنة، بلا صدمات يومية، ولا مفاجآت... غير سارة في الغالب؟

هل اقول لهم بأن مجرد سماعي لنشرة الاخبار الصباحية، كفيل بأن يدفع الكيمياء جميعها لمواجهة استقرار الجسد؟

هل اقول لهم انني نسيت منذ سنوات انني مصاب بالسكري اللعين، وتعودت ان اكذب على نفسي قبل الآخرين وأقول: "الامور مطمئنة وتحت السيطرة".

الاسبوع الماضي وضعني في مواجهة نفسي!!

واجهت السؤال الاصعب: هل اريد جسدي؟

هل استنفدت حاجتي منه، ام ما تزال هناك سنوات ارغب في ان اعيشها بصحة اقرب الى الطبيعية؟

أفكر في كثير من الاشخاص الذين ارغب في ان اقضي معهم بقية حياتي، من دون ان احملهم عبئي..

أفكر في أعين كثيرة تطالع صحتي يوميا، وتخبرني كم اختلفت عن اليوم الذي سبق.

ياه.. كم اختلفت عن ذلك الذي كانني!!

وجوه تطالعني من وراء غباش السكري المتكون على القرنية البالية.. تبتسم وتقول: كن معنا.

ربما آن الأوان لأن اتصرف بحكمة قليلة تجاه ضيف اكرهه من كل قلبي.. ولكنني مرغم على استقباله صباح مساء.

[email protected]