سكّر امرأة!

اكتشفَتْ مبكرا أنها "امرأة". عندما لكزَ خاصرتها ابنُ الجيران، وكانت صبيَّة في أوَّل الدلالِ تعرفُ معنى أن تميلَ لتلافي أصابعه، ثمَّ تطلق ضحكاتها، البريئة تماما؛ لأنها بالأصل "ما بتغارْ"!

كان الصبيُّ أولَ "رجل" يخرجُ من حياتها تماما كما يدخلْ.. ولكن من دون أصابع تجرّأتْ على لكز خاصرتها! أما الرجلُ الأخير؛ فحتى ساعة كتابة هذه السطور ما يزالُ يمرُّ بعيدا عنها وأصابعه العشر مطوية في كمِّه!

كثيرة الضجر الآن؛ الرجالُ يبدأون قصصهم معها من حيث تنتهي؛ فيسألها ولد غفل: "آنسة أم مدام؟". ولا تجيب، تتركه غارقا في حيرة، ولا يفوتها أن تذيقه طعم الندم على امرأة انشغلَ عنها بالأسئلة التي ليست لها أجوبة!

في أوقات فراغها الطويلة تتذكر تاريخها القريب؛ كان يعجُّ بالعشاق الذين يُغرمون من أول مصافحة، عندما يحقنهم ملمَسٌ حريريٌّ مُباغتٌ بدفء سريع البرودة..، إذا ما سحبت أصابعها معتذرة لأنَّ كف عاشق بكر امتدَّت إليها!

لو أرادت تعدادهم ستقول: "عشرون جاؤوا قبل العشرين، وثلاثون بعد الثلاثين". ستكفُّ عن العدِّ لأنَّ الأرقام الشديدة التركيب تفزعها..، تذكرُها بضحايا الكوارث تحت الأنقاض، الذين ينتهي أثرهم في الحياة برقم تقريبي!

على كلِّ حال هُمْ كثرٌ، لا يهمُّ منْ بقيَ منهم؛ من الغباء أن تسألَ امرأة سريعة الملل عن عدد الأسماك في حوض ماء بلا سقف. وربما الأشد بلاهة أن تسألها: "أين اختفت الأسماك"؟!

لا تهتمُّ كثيرا بمصائرهم؛ بعضهم تزوَّج نكاية بها، حتى يُبرهنَ أنه عملة ثابتة القيمة تحت كلِّ الظروف، قبل أن ينتهي غرضا ثقيلا في عربة تخرجُ بها زوجته كل يوم من المول!

آخرون توقفتْ حياتهم بمجرَّد أنْ يصفعهم صوت المرأة الإلكترونيِّ البارد: "الرقم المطلوب مفصول"، أحدهم تهوَّرَ بقيادة السيارة، لم يجد مبرِّرا واحدا لأنْ يقومَ من أمام المقود حيا والمقعدُ المحاذي له خال من طيْشها!

ترتخي اليوم، لا تفعلُ أشياء مهمة. تكتفي بسرد بعض القصص الطريفة على صديقاتها؛ فمتزوجٌ يعرضُ عليها الزواجَ، وكي يقنِعها بذلك يتركُ لها تحديدَ مصير زوجته. تفكر في عقاب على جرأته؛ فتطلبُ منه أنْ يطلق زوجته..، ثمَّ يكرِّرُ الزواجَ مِنْها!

تسألُ واحدة من صديقاتها النكِدات عن سببِ حزنها، فتخبِرُها أنَّ حياتها بلا معنى؛ فقد أصبحتْ على مشارف الأربعين ومشت في كلِّ الطرق، ولم تصل إلى أيِّ رجل لا من قلبه أو من عقله أو عبر معدته!

تأسفُ لأمر صديقتها الوحيدة مثل فردة قرط؛ تقرِّرُ أن تمنحها السعادة التي ملتها، وتحيلُ إليها ذكرا من الذين تربوا على ذراعيها. تخبرها عن فتى طاردَها حتى صارَ كهلا على أعتاب الأربعين. تقول لها: "لا بدَّ أن يمرَّ اليوم، فهو لا يفعلُ سوى ذلك منذُ عشرين عاما"!

لم يأتِ الرجلُ الذي صارَ في الأربعين. تواسي صديقتها: "ربَّما جرحته عندما نهرته بنظري الليلة الماضية، ليكفَّ عن المشي بأثري". ولم يأت بعد أسبوع، ولا بعد شهر. فصارحت صديقتها بمنتهى الهدوء: "ربّما انتحر فقد عاش المسكينُ في الأمل عشرين عاما، وهي مدَّة طويلة حتى وإنْ كانَت السنة فيها بتسعة أشهر"!

اضافة اعلان

تريدُ أنْ تنامَ اليوم مبكرا كما في كلِّ يوم. فلا شيءَ يمكنُ أن تفعله. الحكاياتُ مملة ولا يُغير من طعمها السكرُ؛ فالصبيُّ لم يلكز خاصرتها في أول الدلال، هي التي ركضت وراءه حتى تقول بضحكة غير بريئة: "أنا بغار"! لم يلتفت الصبيُّ وراءه، ولم تبدأ حكاية المرأة منذ عشرين عاما.. وأكثر!

[email protected]