سلالم المدارس.. عبء يضاعف معاناة الأهالي مع أبنائهم من ذوي الإعاقة

Untitled-1
Untitled-1

مجد جابر

عمان- لم تكن تعلم روان أحمد أن اليوم الأول لها في المدرسة سيكون شاقا. كانت تحلم بغرفة صفية واسعة ومدرسة تخلو من الأدراج وساحة تمكنها من حضور الطابور الصباحي، ومشاركة أصدقائها وجبة الإفطار، إلا أن تلك الأفكار تبددت لحظة وصولها البوابة الخارجية.اضافة اعلان
اصطدمت روان بسبب وجودها على كرسي متحرك مع أول سلم درج يمكنها من الدخول إلى المدرسة، ذلك كان بمثابة إنهاء حلمها الدراسي على أول عتبة، غير أن مشاعر الخوف وأنها غير قادرة على الدخول إلى غرفتها الصفية غيرت ملامح وجهها الصغير المتفائل.
تروي والدة روان تفاصيل الرحلة الشاقة خلال سنوات ابنتها الدراسية، واصفة أن "اليوم الأول في مدرسة روان غير كل حياتنا".
تبدأ رحلة والدة روان مع ابنتها منذ الساعة السابعة صباحا، فبعد أن توصلها إلى المدرسة تحضنها بين ذراعيها وتحملها لتعبر بها سلم الدرج ومن ثم توصلها بكرسيها المتحرك حيث الساحة الرئيسية منتظرة حتى ينتهي الطابور الصباحي.
تقول "كانت روان تتمنى أن تحضر الطابور الصباحي وتشارك في النشيد الوطني"، فكانت حريصة على أن تشعرها بأنها كغيرها من الطلبة.
تعود والدة روان مجددا في نهاية الدوام لتحملها مجددا الى السيارة لتقلها الى المنزل. تقول "بعد أيام عدة رفضت روان أخذ سندويشة ومصروف، وتحججت أنها لا ترغب بالأكل"، متابعة أنها وبعد إلحاح على طفلتها قالت لها إنها لا تستطيع أن تأكل وحدها في غرفة الصف.
مجددا، تثير روان شفقة والدتها التي أصبحت أيضا تحضر للمدرسة عند تمام العاشرة والنصف يوميا لتساعد طفلتها على النزول الى ساحة الفرصة فأصبح يوم والدة روان رهينة ساعات الدوام المدرسي.
ظروف يارا طالبة الصف الخامس مختلفة تماما؛ فانشغال والدتها بتربية أخيها الصغير لا يسمح لها بالحضور الى المدرسة، لهذا بقيت أسيرة كرسيها المتحرك طوال اليوم الدراسي.
تقول "لا أستطيع حضور الطابور الصباحي ولا حتى الفرصة، وأبقى طوال اليوم على الكرسي بالصف"، تصف يارا يومها والغصة تملأ صدرها، خصوصا عندما تسمع أصوات التصفيق والتصفير خلال الطابور الصباحي أو الفرصة.
وعلى الرغم من بقاء بعض صديقاتها معها في الغرفة الصفية وقت الفرصة أو الطابور الصباحي، إلا أن شعور يارا برغبتهن بالنزول الى الساحة، دفعها لأن تطلب منهن الذهاب وعدم حاجتها لأن يجالسها أحد.
وتروي والدة أسيد في الصف الرابع معاناتها مع ابنها الذي يرفض الذهاب إلى المدرسة بسبب عدم وجود ممرات يمكنه العبور عليها بكرسيه. خجله من طلب المساعدة من أصدقائه وشعوره بأنه ثقيل على المعلمة وكل من حوله جعلاه يشعر بالاختلاف عن باقي زملائه.
رفض أسيد الذهاب إلى المدرسة ليس كرها بالمعلمات أو المكان، كما تقول والدته، إلا أن الظروف المحيطة به وطريقة بناء المدرسة تذكره بكل لحظة بأنه مختلف، حسب قوله.
هذه القصص هي جزء من معاناة كثير من الأشخاص والأهالي الذين لديهم أبناء من ذوي الإعاقة يذهبون للمدرسة، فيكون دوامهم الدراسي عبارة عن رحلة شاقة على الابن والأهل، خصوصاً وأن المدارس غير مجهزة لاستقبال أصحاب هذه الفئة وتيسير حركتهم.
المستشار الإعلامي للمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة زياد المغربي، يشير الى أن المجلس بدوره قام بمساعدة وزارة التربية والتعليم بوضع الخطة العشرية لجعل المدارس دامجة للأشخاص ذوي الإعاقة.
واعتبر أن ذلك يعد أمرا أساسيا، فالأشخاص من ذوي الإعاقة لا بد من أن يتعلموا ليجدوا فرص عمل بالمستقبل، مبيناً أن 79 % من الأشخاص ذوي الإعاقة لم يتلقوا أي نوع من التعليم، وهذا مؤشر خطير.
ويشير المغربي إلى أن الأساس هو حصول الأشخاص من ذوي الإعاقة على حقوقهم بتهيئة المكان، لافتاً الى أن القانون رقم 20 لسنة 2017 وضع إمكانية الوصول للترتيبات التيسيرية.
ويؤكد المغربي أنهم ضد العزل، فالفكرة هي أن تكون المدارس دامجة لكل أنواع الإعاقات، مبيناً أن الدمج يحدث من أكثر من جهة؛ فهو دمج الشخص مع المدرسة وأن تكون المدرسة ملائمة له. ويضيف أنه أحياناً قد يتطلب الوضع الانعزال ولكن يكون مؤقتا بقصد الدمج في النهاية، مبيناً أن هناك مدارس ما تزال لا تملك غرفة مصادر، وهذه إشكالية كبيرة.
وفي ذلك، تذهب الاختصاصية النفسية والمختصة في ذوي الاحتياجات الخاصة سيلينا أبو الراغب، إلى أن وجود ابن من ذوي الإعاقة يشكل صعوبة على العائلة بأكملها، خصوصاً وأن المجتمع ما يزال غير متقبل، وأحياناً كثيرة يكون عند الأهل حالة من النكران.
وبعد أن تتقبل العائلة وتستوعب الأمر، وتبدأ بمساعدة الابن، تجد أن الأماكن والمنشآت غير مؤهلة، خصوصاً المدارس التي لا تحتوي أحياناً على غرفة مصادر.
وتشير سيلينا الى أن هناك مدارس لا تقبل تسجيل الأطفال من ذوي الإعاقة، فكل تلك الأمور تترك آثارا سلبية على الأهل، فالمدرسة ترفضهم والمجتمع يرفضهم، لذا يلجؤون الى المراكز.
وتبين أنه وفي حال تم إدخال الابن الى إحدى المدارس، لا تستطيع الهيئة التدريسية معرفة التعامل معه، خصوصا مع غياب الاختصاصيين، لذلك يضطر الأهل أحياناً للبقاء معهم طوال فترة الدوام.
وتعتبر سيلينا أن الأفضل للطالب من ذوي الاحتياجات الخاصة أن يكون في مدرسة وليس في مركز، وأن يخضع لتعديل سلوك، بحيث يمكن دمجه مع البيئة المدرسية الطبيعية، لكي ينخرط بالدراسة والأنشطة المختلفة مع أقرانه.
وتؤكد أن كل ذلك هو مجهود مضاعف على الأهل، خصوصاً اذا احتاج الابن خلال دوامه لأمور عدة مثل الدخول الى الحمام، وأحياناً قد يضطر الأهل لحمل الطفل من السيارة للصف، أو من البيت الى الباص، مما يسبب التعب الجسدي، وكذلك النفسي.
وتبين أن الأهل الذين لديهم ابن من ذوي الإعاقة يلجؤون بكثير من الأحيان لتغيير حياتهم بالكامل وبلورتها من جديد، بحيث تتناسب الأجواء معه، خصوصا الأهالي الذين يختارون مرافقة الابن طوال دوامه الدراسي وحتى انتهاء حصصه.
وتعتبر أن ذلك يعود لمدى تقبل الأهل وتكيفهم مع الواقع، لافتة الى أن الأهل قد يصابون بالتعب والملل، لكن ينبغي أن يشحنوا أنفسهم بالطاقة وينظروا الى الجوانب الإيجابية بتهيئة حياة سليمة وتعليم جيد للأبناء من ذوي الإعاقة.