سلامة الدرعاوي يكتب: استثمار النقل البري وهراوة الوزارة

تفتخر الدول المتحضرة بأنها تمتلك أساطيل برية تدعم الحلقة الاقتصادية اللوجستية في بلادهم، تحزن في ذات الوقت وأنت تشاهد ما يتعرض له أسطول النقل البري في المملكة، وكلها استثمارات أردنيين واجهت أعاصير الرفض ولطم الكفوف من الوزارة بين الحين والآخر.اضافة اعلان
كتاب صدر حديثاً عن هيئة النقل مفاده أنه غير مسموح لأي شاحنة أن تنقل أكثر من سبع نقلات من العقبة شهرياً، بعد أن كانت ثماني وتسع رحلات سابقا. المفاجأة أن تقليص عدد النقلات جاء في الوقت الذي ارتفع حجم المناولة اليومي في ميناء الحاويات ليصل إلى 1000 حاوية وهذا أكثر مما كانت عليه الأحوال في نفس الوقت من هذا العام المنصرم، وهذا الرقم لم يسجله الميناء منذ ست سنوات، وأن الميناء يعمل كافة أيام الأسبوع ليلاً ونهاراً! وهنالك زيادة فعلية لعدد الحاويات تصل إلى 7و7 % لغاية شهر نيسان، وكل التوقعات تؤكد أن هناك ازدحاماً بسبب قدوم عدد كبير من السفن القادمة، والطلب المستمر من المستوردين للإسراع بسحب بضائعهم في الميناء تفادياً للازدحام ودفع رسوم تخزين باهظة.
استوقفني الأمر وبدأت أبحث عما يحدث ولماذا يحدد تحميل الحاويات على المزاج في الوقت الخطأ، وتساءلت هل هذا اقتصاد حر؟ أم اشتراكي؟ وماذا بشأن قانون الاستثمار ودعوة المستثمرين للاستثمار في النقل وتحديث الأساطيل والتوجه لاستعمال طرق متابعة الشاحنات بطريقة حضارية.
أحد المستثمرين الكبار أعلمني أنه استثمر رقماً كبيراً في الشاحنات لتلبية طلبات زبائنه الذين يصرون على سيارات حديثة وسائق ملتزم ومدرب، نظام تتبع، إلى غير ذلك من الوسائل المتحضرة في ايصال البضائع في الوقت المطلوب، ووسائل اتصالات حديثة، ناهيك عن التأمين والذي لا تقدمه سوى الشركات المنظمة.
وعلمت أن استثمارات هذه الشركة تتجه نحو الهاوية ولم يعودوا مقتدرين على دفع رواتب السائقين ومكافآتهم، والتأمين الصحي والضمان الاجتماعي والتأمين على الحياة وغير ذلك، والذي يتجاوز ربع مليون دينار شهرياً!
والأمر كذلك، بدأوا بالتفكير في بيع الشاحنات وتسريح العاملين لتقليل الخسائر.
ما يحدث هو أمر مخالف للقوانين، وهو ما جعل البعض يفكر برفع دعاوى لدى المحاكم لوقف القرارات والتي لا يمكن تحت أي بند أن تصدر عن دولة ذات اقتصاد حر.
طبعا أصلا المشكلة ليست وليدة اليوم، بل هي ممتدة لسنوات بأنه عندما كان العالم العربي يمر بما يسمى بالربيع العربي، اتجهت الحكومة إلى مهادنة السائقين الأفراد الذين يملكون شاحنة أو أكثر أو أقل، بعضهم سواقون لا يملكون شاحنات، أعلنوا حينها إضراباً في العقبة، حصلوا على حقوق كاملة على حساب الشركات المنظمة بأن حدد عدد الرحلات الشهرية كما يشتهي السائقون الفرديون، مما شكل استقواء على الشركات المنظمة شيئاً فشيئاً، وعلى الوزارة من بعض السائقين الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد يهددون بين الحين والآخر بالإضراب وخلافه، في ظل غياب النقابة المعنية تماما.
إن مثل هذه الإجراءات ستكون سبباً لرفع أجور النقل، وهذا ما يتنافى مع استراتيجيات وزارة الصناعة والتجارة والتموين للتخفيف على التجار وبالتالي المستهلك.
لماذا تتعمد وزارة النقل أن تعاكس قرارات رئاسة الوزراء بقرارات الدفاع بدعم الشركات والتخفيف عن كاهلها، لتفادي انهيار الشركات وتسريح موظفيها وبالتالي زيادة البطالة.
أما هذا التعديل الأخير والذي لا مبرر له والذي اعتبره المجتمع بالضربة التي قصمت ظهر البعير، فيجب أن يدرس على أعلى المستويات كذلك يجب على الحكومة أن تحقق في هذا الأمر وتعيد للشركات المحترمة اعتبارها، وتتأكد أن المستقبل هو لهذه الشركات التي لها الدور الأكبر في تشغيل ما يزيد على 7000 سائق وموظف وأكثر، وأنها تدفع الضرائب المطلوبة، وتحترم النظام، وهي بالتأكيد فخر للأردن وليست جالسة تحت رحمة قرارات فردية اعتباطية غير مدروسة، وتدمر اقتصاديات النقل في البلد المقدم على انفتاح اقتصادي.