سلامة الدرعاوي يكتب: البنك المركزيّ ليس مؤسسة خيريّة

 الكثير من أصحاب ومدراء المؤسسات والشركات اعتقدوا للوهلة الأولى أن الحزمة التحفيزيّة التي أطلقها البنك المركزيّ بقيمة 500 مليون دينار قبل أكثر من شهر للأعمال المتوسطة والصغيرة أنها منحة ماليّة لأي شركة ترغب بها تحت مظلة أنها متأثرة من تداعيات الكورونا، لدرجة أن البعض أصبح يرى له حق ونصيب في هذه الحزمة، وإذا لم يحصل عليها فإن ذلك يعني وجود خلل في توزيعها كما يتصور البعض.
حزمة التحفيز المضمونة من ضمان القروض بنسبة 85 %، هذه هي عبارة عن تسهيلات مصرفيّة بفائدة مخفضة (2٪؜)، والأموال البالغة 500 مليون دينار تمنح من البنك المركزيّ للبنوك العاملة التي بدورها تفرضها للجهات المستفيدة حسب الشروط والمعايير المصرفيّة المعتادة، فليس كُلّ من تقدم للحصول على القرض يعني أنه سيحصل عليه تلقائيّاً، فهذه تسهيلات تخضع لشروط الإقراض المصرفيّ المعمول بها، ومن واجب البنوك أن تتأكد من سلامة وضع طالب القرض ومن الجدوى الاقتصاديّة لنشاطه ضمان السداد وعدم التعثر، فهذه في النهاية أموال مودعين ومستثمرين ومواطنين ومساهمين، من واجب البنوك تنميتها وتحقيق عائد عليها، ومن واجب البنك المركزيّ مراقبة كيفية منحها والتأكد من أنها تمنح بالشكل الصحيح والسليم والرشيد معاً.
البنك المركزيّ قام بواجبه بالمبادرة بمساعدة الشركات المتوسطة والصغيرة التي تعثرت جراء كورونا وتعطلت أعمالها وأنشطتها، وأطلق هذه الحزمة لمساعدتها في استئناف أنشطتها وأعمالها، وهي فقط مخصصة للشركات الصغيرة والمتوسطة وليست للكبيرة كما تحدث البعض، لأن النظام الأساسيّ لهذه النافذة التحفيزيّة يرفض تلقائيّاً أي شركة تقدمت للتسهيلات وعدد موظفيها أكثر من 200 موظف، وأي شركة لديها فوق هذا العدد من العاملين، وتبلغ مبيعاتها أو موجوداتها الـ 5 ملايين دينار، فإنها تتوجه للنافذة التمويليّة الرئيسيّة التي أعدها البنك المركزيّ للشركات الكبرى والتي يبلغ حجمها 1.2 مليار دينار وبأسعار فائدة مخفضة سواء كان النشاط في العاصمة أم في المحافظات.
هذا ينافي القول بأن الشركات الكبرى استفادت من الحزمة التحفيزيّة الـ 500 مليون، من خلال الحصول على قروض بأسعار فائدة 2 % لتسديد التزاماتها المصرفيّة ذات أسعار الفائدة العالية، لأن الأساس في الحزمة أولا برفض طلب الشركات الكبرى، وثانيا لا يجوز تمويل القروض المصرفيّة بتسهيلات بنكيّة من النافذة التمويليّة التحفيزيّة، فالقروض في النافذة التحفيزيّة تقدم للشركات الصغيرة والمتوسطة لتمويل قدرتها على دفع نفقاتها التشغيليّة والرأسمالية، بمعنى أنها توجّه لدفع رواتب العاملين في هذه الشركات طيلة فترة الطلب، وتحول الأموال إلى رواتب العاملين مباشرة وليس إلى حساب الشركة كما يتصور البعض، وبالنسبة للنفقات الرأسمالية وشراء مدخلات الإنتاج للتشغيل وغيرها فهي تمنح حسب الأصول وبموجب فواتير رسميّة وليست بناء على تخيلات طالب القرض.
والمنطق العقلي يقول في هذا الأمر أن البنك ليس من مصلحته أن يمنح عميل قرض بسعر فائدة مخفض ليقوم بتسديد قرض له بفائدة عالية، فهذا ضرب من الجنون، بمعنى أن البنك اليوم يأخذ من عميل 10% فائدة على قرض معين، من مصلحته أن يستمر القرض على 10% وليس أن يمنح على فائدة 2%، لأن البنك سوف يخسر بذلك.
أخيرا، البنك المركزيّ ليس مؤسسة إجتماعية خيريّة تمنح أموال المودعين حسب رغبات الشّارع وأصحاب الشعبويات، فهو مؤسسة وطنيّة عريقة لها مصداقية تاريخيّة تعمل بشكل مهني وحرفي وتصب قرارتها لخدمة أهداف وطنيّة وتراقب برامجها بشكل حازم وفقا لأفضل المعايير الدوليّة وتخالف البنوك التي لا تلتزم في قرارته وتعليماته، وقد أثبتت إدارة البنك المركزيّ أنها قادرة على التجاوب والمبادرة تحت مختلف الظروف والتحديات، والكُلّ يعلم أنها قلعة لا يمكن اختراقها أو التدخل في شؤونها، وهي صاحبة الفضل الأول والأخير في تجاوز الأردن للتحديات التي عصفت به خاصة في السنوات العشر الأخيرة.

اضافة اعلان

@SalamahDarawi