سلامة الدرعاوي يكتب: القطاعان في مأزق، والتدرج بالعمل هو الحلّ

القطاعان العام والخاص في مأزقين كبيرين، ولا نبالغ إن قلنا إن ما يمرّان به من ظروف جراء فيروس كورونا قد يكون الأشد والأخطر في تاريخ الدولة الأردنيّة.اضافة اعلان
القطاع الخاص شبه متوقف عن الإنتاج باستثناء عدد قليل جداً من المصانع التي سمحت الدولة لها بالعمل في أضيق الحدود من أجل تلبية الحاجات الأساسيّة للسوق، في حين أن معظم القطاعات الصناعيّة متوقفة عن العمل، ومع كل ذلك فهي تتحمل كافة النفقات التشغيليّة الثابتة عليها مع توقف كامل لإيراداتها، فهي تتحمل رواتب العاملين وأقساط وفوائد التسهيلات وغيرها، وهي إذا كانت قد تحمّلت التوقف الجزئيّ في شهر آذار الماضي، فغالبية القطاع الخاص لن يكون بمقدوره تحمل توقف شهر نيسان بالكامل، ومن المؤكد أن الكثير من منشآت القطاع الخاص إذا استمرت الحالة الراهنة إلى ما بعد شهر نيسان سيغلق أبوابه ويسرح العاملين لديه.
القطاع العام ليس أفضل من القطاع الخاص، بل هو شريك أساسيّ هذه المرّة في الخسائر وبشكل كبير ومقلق اقتصاديّاً وسياسيّاً في آن واحد.
فالخزينة العامة التي تعتمد على إيرادات الضريبة والرسوم المتولدة أصلا من أنشطة القطاع الخاص والاستهلاك حاليا بلا موارد ماليّة، فلا يوجد ضرائب متحصلة من بيع المشتقات النفطيّة، ولا ضرائب أخرى مثل ضريبة مبيعات، ضريبة المطار، ضريبة الدخل، رسوم الترخيص ومئات أنواع الرسوم والضرائب الأخرى، وعوائد قطاع السياحة.
وهذا يعني أن موازنة سنة 2020 والمبنية على 65 % في إيراداتها على الضرائب غير متوفرة، وبالتالي سيكون أمامها مأزق حقيقيّ في حال استمر المشهد الراهن على ما هو عليه لما بعد شهر نيسان في كيفية توفير مخصصات لنفقاتها التشغيليّة والتمويليّة الأساسيّة المختلفة خاصة في مجال الرواتب وأقساط وفوائد الديون الخارجية التي تناهز لوحدها أكثر من 120 مليون دينار في الشهر الواحد.
أمام هذا المشهد المؤلم والصعب الذي يمرّ به الاقتصاد الوطنيّ لا بد أن تدرك خلية الأزمة المختصة لمواجهة تداعيات كورونا الاقتصاديّة، أنه ليس بالإمكان مواجهة الضغط الاقتصاديّ والإغلاق الكامل للقطاعات الاقتصاديّة بالشكل الراهن، فالخسارة قاسية وكبيرة للجميع بلا استثناء، وستكون لها آثار اجتماعيّة واقتصاديّة وخيمة في الشّارع على المدى القصير إذا لم تتداركها الجهات المعنية.
جميع الدول تقريبا تمارس إجراءات الوقاية من فيروس كورونا، لكنها لم تغلق القطاعات الاقتصاديّة بالكامل، وسمحت للكثير منها بالعمل، لكن بشروط محدودة.
نعم، عودة القطاع الخاص للعمل هو أفضل الخيارات لإنقاذ الاقتصاد الوطنيّ من أزمة محققة في حال استمر المشهد على ما هو عليه، فعودة القطاع الخاص إلى مسار الإنتاج والعمل يعني المحافظة على منشآته وعامليه من الضياع والفناء، مقابل إعادة تدفق الإيرادات لخزينة الدولة بشكل تدريجي لتعود الأنفاس من جديد للقطاع العام، الذي هو اليوم ممثلاً بالحكومة، فهو غير قادر على توفير التمويل اللازم لكافة احتياجاته الأساسيّة حتى من خلال الاقتراض الخارجيّ الشبه متوقف حالياً جراء الفيروس الذي يضرب يمينا وشمالًا بالاقتصاد الوطنيّ.
العودة التدريجيّة لعمل القطاع الخاص وبالحد الأدنى من العاملين في المرحلة الأولى مع فرض أعلى درجات السلامة الصحيّة على كافة المنشآت وضبط عمليات نقل العاملين بواسطة حافلات مخصصة بالاتفاق مع أرباب الأعمال ومدراء الشركات من خلال شركة نقل مركزية للسيطرة الصحية على تنقلات العاملين كالشركة المتكاملة للنقل التي تمتلك ما يزيد على الـ300 حافلة على سبيل المثال لا الحصر.
عودة القطاع الخاص للعمل يعني إنقاذ الخزينة من الإفلاس والتعثر من جهة، وتحمي القطاع الخاص من الاندثار وتسريح الموظفين والعاملين، فليكن شعار المرحلة بعد صحة المواطن هو استئناف خطة عمل القطاع الخاص من جديدة في الاقتصاد الوطنيّ.