سلامة الدرعاوي يكتب: ترتيب الموازنة ومؤشرات إيجابية

لا يعني استمرار الحكومة بالالتزام بتعهداتها الداخليّة والخارجيّة معاً أن الخزينة في وضع مريح، لا بل يعني أن هناك فريقا حكوميّا وعلى رأسهم وزير الماليّة ومحافظ البنك المركزيّ وفريقهما يقفون كفريق عمل واحد لتوفير المخصصات الماليّة المختلفة للخزينة خاصة والاقتصاد عامة.اضافة اعلان
في ضوء التحديات والتقلبات التي تعصف بالاقتصاد عامة والحكومة خاصة استوجب على الفريق الماليّ للدولة إعادة النظر في أولويّات الموازنة العامة لسنة 2020، وبما يتناسب مع مستجدات الوضع الماليّ والنفقات الطارئة لمواجهة تداعيات فيروس كورونا، إضافة إلى التراجع الحاد في الإيرادات الضريبيّة وغيرها بسبب توقف شبه كامل لقطاعات العمل والإنتاج لشهرين تقريبا، والتي من المرجح أن ترفع عجز الموازنة العامة مع مؤسساتها المستقلة إلى أكثر من 2.3 مليون دينار على أقل تقدير.
وزارة المالية بدأت تعيد النظر في أولويّات الموازنة وتعمل على إجراء مناقلات بين بنودها لضمان إدامة الاستمرارية في أربع أولويات رئيسيّة هي كما يلي:
أولًا: تأمين كافة المخصصات لرواتب العاملين في الدولة ومتقاعديها، وهذا أمر تعهدت به الحكومة وهي ملتزمة به التزاما كاملا، وهي بحاجة إلى ما يقارب الـ580 مليون دينار شهريّاً.
ثانيا: دفع كامل المستحقات لخدمة وأقساط الدين الخارجيّ، وهذه رسالة مهمة للمؤسسات الدوليّة والمانحين، بأن الأردن دولة مستقرة اقتصاديّاً ولديها قدرة على التعاطي مع تحديات وباء كورونا دون أن يؤثر على التزاماتها الداخليّة والخارجيّة.
ثالثًا: تأمين كافة مخصصات مواجهة كورونا على الصعيد الصحيّ، وتوفير الأموال اللازمة لهذا المجهود الكبير الذي تبذله الحكومة وتغطية كافة احتياجاتها واعتباره أولويّة وطنيّة بحتة لا يمكن التهاون فيها.
رابعا: تعزيز حزمة الأمان الاجتماعيّ وزيادة مخصصاتها لمواجهة تردي الحالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة لشرائح عديدة من المجتمع فقدت أعمالها وتراجعت دخولها بسبب توقف أنشطتها جراء فيروس كورونا.
الأولويّات السابقة جعلت وزير المالية يتحرك سريعا في اتخاذ حزمة الاجراءات لتلبية مخصصات الأولويات الأربع السابقة من خلال إيقاف العلاوات والزيادات والمكافآت وإيقاف كافة أشكال التعيينات لتصل قيمتها الإجمالية إلى ما يقارب 200 مليون دينار خلال الشهور الثمانية القادمة، ناهيك عن قرار تخفيض النفقات العامة بنسبة 15 بالمائة، مما سيوفر على الخزينة ما يقارب الـ300 مليون دينار.
بالمقابل أسفرت اتصالات الحكومة التي يجريها وزير المالية ومحافظ البنك المركزي مع المؤسسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدوليّ عن إدخال المملكة في برنامج مساعدات للدعم السريع يوفر للخزينة خلال أسابيع 400 مليون دولار كتسهيلات ميسرة جدا يسمح للخزينة بالتحرك وتلبية احتياجاتها، ناهيك عن حصول المملكة خلال الأيام الماضية على الدفعة الأولى من برنامجها التصحيحيّ مع الصندوق بقيمة 138 مليون دولار، واتصالات ناجحة لاستقدام الدفعة الثانية من قرض البنك الدوليّ العام الماضي والدفعة المتبقية بقيمة 725 مليون دولار، وموافقة مبدئية من الولايات المتحدة على رفع مساعداتها الاقتصاديّة بقيمة 850 مليون دولار للأردن في شهر حزيران المقبل بدلا من شهر كانون الأول القادم، وتحرك داخليّ من خلال عمليات اقتراض داخليّة جرت خلال الأيام والأسابيع الماضية وتغيير بعض المخصصات من الموازنة بقيمة 400 مليون دينار ووضعها في حساب خاص للبنك المركزيّ من أجل مواجهة أي التزامات طارئة، وهذا يبعث برسالة طمأنينة مهمة لكل من يشكك في قدرة الأردن على سداد التزاماته الخارجيّة خاصة فيما يتعلق بسندات اليوروبوند في شهر تشرين الأول المقبل بقيمة 1.25 مليار دولار.
بالمقابل بدأت الحكومة في دراسة مخصصات حزمة الأمان الاجتماعيّ والاستعداد لما بعد تبرعات همة وطن، حيث ستعزز مخصصات الحكومة في هذا المجال بما يقارب الـ280 مليون دينار إضافية سيتم تخصيصها لعمال المياومة وكُلّ من تعثرت بهم أحوالهم المعيشيّة جراء فيروس كورونا.
تحركات وزير المالية ومحافظ البنك المركزيّ في هذه الظروف وضمن هذه الإمكانات والموارد المحدودة سيجعل من الأردن محط أنظار المانحين والمؤسسات الدوليّة لأن الأردن اتخذ إجراءات سريعة وفعالة غابت عن الكثير من دول العالم، والأهم من ذلك كله هو المحافظة على الإنفاق الأسريّ والحكوميّ كخطوة رئيسيّة في الحفاظ على النمو الاقتصاديّ بقدر الإمكان وعدم الانزلاق في حالة الركود.