سلطان الزغول يبحث عن عشقه الأول في شوارع اللاذقية

سلطان الزغول- (من المصدر)
سلطان الزغول- (من المصدر)

عزيزة علي

عمان- يعود سلطان الزغول إلى الحضن الدافئ ورائحة التراب المشبع برذاذ السماء ليجول في شوارع الحب والعشق الأول، يتربص عبر الطرقات تلك المدينة التي شكلت وعيه بالقصيدة الخالدة إلى الأبد.اضافة اعلان
• أي الأمكنة التي تجتاحك رائحتها الآن، وترغب في أن تقضي عزلة مؤقتة فيها؟
اللاذقية... فقد سبق لهذا الحضن الدافئ أن ضمني حينما كنت بحاجة ماسة للحنان في أوائل تسعينيات القرن العشرين. كنت وحيدا بعيدا عن من أعرف وأحب، فلم أجد في هذه المدينة المحببة إلا الألفة والودّ. ياه كم أشتاق لرائحة التراب المشبع برذاذ السماء.. كنت أمشي طويلا في أماسي الربيع أجول شوارع المدينة بحب، أرتب الأحلام في رأسي فيأتي المطر دائما أليفا محببا.. أتمنى أن أقضي في تلك المدينة المكتنزة خريفها وشتاءها وربيعها، أما الصيف ففيه دبق كثير، ولم أكن أميل إليه، أشتاق كثيرا لتفاصيل الشاطئ الجنوبي فيها، الشاطئ الصخري البسيط والبعيد عن تعقيدات مدن الساحل السياحية.. صخرة العشاق والقهوة والترمس.. أن أمشي من ساحة الشيخ ظاهر نحو البحر جنوبا.. أمر بشارع بغداد قريبا من حي الأمريكان العريق بكنائسه التي تلوح بوقار، وأذرع بعض شوارع حي الصليبة، أتوقف لأتناول ألذ صحن فتة في العالم، ثم أمضي إلى البحر.. في اللاذقية البحر يحيط بك من الجهات كلها.. فغربا الميناء الكبير الذي يأكل الشاطئ، وشمالا الشاطئ الأزرق الذي يأتيه الناس عادة للسباحة، أما الشاطئ الجنوبي فهو ممر الروح نحو البحر، حيث تسحب الصخور قلبك بلطف وتنظفه في ماء لامع شجي ثم تعيده نظيفا قادرا على أن يتحمل قساوة الأيام.
• في مثل تلك العزلة، ثمة كتاب تحن إلى قراءته بهدوء، أي الكتب تود مرافقتك هناك؟
لا أميل عادة إلى تكرار ما قرأت، فثمة كتب كثيرة تنتظر دورها، لكنني أحن لقراءة مائة عام من العزلة لماركيز في تلك المدينة، في تلك العزلة التي أتمناها حقا. وإذا فاض بعض الوقت أتبعه بخريف البطريرك.
• في العزلة، نحتاج لصفاء تام. يقال إن الموسيقى تأخذنا إليه، فأي موسيقى تهدهد روحك هناك؟
أحب شوبان كثيرا، وأحب ما يقترفه زياد الرحباني من مغامرات موسيقية.. "رفيقي صبحي الجيز" مثلا بصوت فيروز.. وأحب جوليا بطرس، ومارسيل خليفة في مغامراته الموسيقية الأخيرة بالذات.. "أمر باسمك..."، لذلك سأحمل إضمامة صغيرة من الموسيقى.
• ما هي أجمل الصور التي تحب أن تراها في عزلتك؟
أحب أن أرى صورة أمي جالسة تحت المشمشة، وهي تقطع أوراق الزعتر، ذلك الزعتر الذي قامت بقصه عن شجيرات قريبة أسفل الدار.. وأحب أن أراها مع نساء الحي أمام فرن الطابون القريب من المشمشة، يقمن بخبز عجين كثير لبيوت الحارة على الدور. وأحب أن أراها في أحد صباحات أيلول، ربما في عيد الصليب، تسلق الحبوب على نار كبيرة أمام الدار، كميات هائلة من الحبوب المتنوعة التي جنيت في الصيف تسلق وتوزع في أوان فخارية على الجيران، فلا يبقى أحد في الحي إلا وتناول شيئا من حبوب فاطمة الخليل.. طقس سنوي هائل وغني بالدلالات الإنسانية التي لم أكن أدرك أبعادها ذلك الوقت، لكنني كنت أعيشها وأشربها مع الهواء الذي أتنفسه... صور المشمشة والزعتر وفرن الطابون والحبوب المسلوقة (السليقة) لا يمكن أن تعود ثانية.. فالمشمشة قد قطعت منذ عقد من السنوات أو يزيد، والحبوب لم يعد أحد يزرعها، وفرن الطابون تهدم، أما شجيرات الزعتر فقد يبست بعد أن ماتت أمي على عتبة القرن الجديد.
• ستكون وحيدا، لو جنت العزلة ورفضت بقاءك مع نفسك وكتابك وموسيقاك، فأي الأشخاص تختار أن يكون قريبا منك؟
أحب أن يزورني في عزلتي ابن سينا، ليحدثني عن فلسفته الإشراقية. فإذا ما تعذّر وصوله يمكن أن أقبل بالرجل الذي دلّني عليه، وفتح لي بابا مواربا قادني إلى قراءة واحدة من أنصع الصفحات في تاريخ الفكر العربي، حيث تختلط الفلسفة بالإيمان، ويرنو العقل إلى القلب بمحبة غامرة، ويجلس أفلاطون وأفلوطين في قلب المجلس الذي يبرز فيه أرسطو بدون أن يثير اهتماما كبيرا بعقلانيته. إنه أستاذي الكبير والبعيد أبدا عن الأضواء، الأستاذ الدكتور حسين خريوش.

سلطان الزغول أكاديمي وشاعر صدر له العديد من المجموعات الشعرية منها "في تشييع صديقي... الموت"، "ارتعاشات على جسد الخريف"، وفي مجال الدراسات صدر له "فضاء التشكيل وشعرية الرؤى"، "تمثيلات الأب في الشعر العربي الحديث" (دراسة)، (2012).