سلوك ديمقراطي يليق بنا

رغم أن إضراب المعلمين أربك الأردنيين شعبيا ورسميا لمدة تزيد على الشهر، وأرّق جيلا كاملا من أبنائنا الطلبة الذين لم يتمكنوا من التوجه إلى مدارسهم وفق التقويم المدرسي المحدد سابقا، إلا أنه يعكس في جوهره تجربة حضارية فريدة، لكيفية استبسال نقابة المعلمين من أجل تحقيق مطالب منتسبيها، رغم أن هناك طرفا ثالثا (الطالب) لحق به ضرر بالغ.اضافة اعلان
بالقدر ذاته، يُسجّل للحكومة تعاملها الإيجابي مع الأزمة عندما لجأت لجميع أساليب الحوار، وحين استعصى ذلك توجهت إلى القضاء، إذا ما استثنينا ما حدث يوم الخامس من الشهر الماضي، وهو اليوم الذي كان على الحكومة أن تكون فيه أكثر مرونة في عملية الاشتباك مع المعلمين.
وبعيدا عن الموقف من توجه النقابة إلى إعلان الإضراب مباشرة دون خطوات تصعيدية استباقية، وتشددها في مطالبها خلال جميع اللقاءات الحوارية التي خاضتها مع الحكومة، فإن الأخيرة، وإن كانت قد لوّحت في كثير من الأحيان إلى عزمها اتخاذ إجراءات قاسية بحق المعلمين الرافضين للعودة إلى الغرف الصفية، إلا أنها على أرض الواقع لم تفعل، حيث كان باب الحوار مواربا رغم الانسداد في الأفق أحيانا، فالرهان على المصلحة الوطنية كان عنوان "المعركة" التي خاضها طرفا المعادلة، وهذا كان أمرا واضحا ولا غبار عليه.
اعتذار رئيس الوزراء د. عمر الرزاز صباح أمس بالتزامن مع يوم المعلم كان مهما، وردّ النقابة على ذلك بالإيجاب لا يقل أهمية، وما حدث من لقاءات بين الطرفين مساء أمس يؤكد أن هناك نقطة التقاء واحدة كان لا بد من الوصول إليها، وهي عودة الحياة إلى طبيعتها في الصروح التعليمية، فهدر المزيد من الوقت سيدفع ثمنه الطالب دون حول منه ولا قوة.
في دول جوار ليست ببعيدة عن حدودنا نلحظ حجم الدمار ونزيف الدماء في الشوارع نتيجة صراعات واحتجاجات مطلبية، وقياسا على هذه النماذج يؤكد الأردن على مستوييه؛ الرسمي والشعبي، أن هناك هوية واحدة هي هوية الوطن؛ انتماء وتضحية، انتماء ليس لحكومات أو مؤسسات أو أفراد بقدر ما هو للتراب والأمن والاستقرار.
الحكومة مطالبة اليوم بمراجعة سياساتها في إدارة دفة جميع الملفات، وأن استمرارها مرتبط بحجم الإنجاز الذي يجب أن توجده، حيث عليها أن تقرأ جيدا أن حجم التعاطف مع المعلمين ليس من أجل مطالب هذه الفئة فقط، وإنما لأن الشارع يشعر بخذلان كبير من السياسات الحكومية، وهي نتيجة حتمية بسبب عدم قدرتها حتى الآن على تحقيق النهضة المطلوبة منها؛ اقتصاديا وسياسيا.
على المعلمين، أيضا، إدراك أن الضغط بورقة الطلبة لتحقيق الـ50 % علاوة، أو ما يتفق عليه، وسيلة غير منصفة أو منطقية، فالعدل يقول أن يحرص هؤلاء على المساهمة العلمية في تخريج جيل قادر على مواجهة تحديات العصر، وتطوره، إذ لا بد من بذل المزيد من الجهد والعطاء في تطوير ذاتهم وصولا إلى عملية تعليمية قائمة على التحليل والتفسير بدلا من الأسلوب التقليدي في التدريس والمعتمد على التلقين، والذي لم يثمر حتى الآن إلا عن طلبة بقدرات علمية محدودة.
خلال الشهر الماضي، مررنا بمفاصل مهمة من عمر الدولة، وعلاقتها التبادلية بينها وبين الأبناء، وهو ما يجب البناء عليه، بحيث لا تعتبر فقط كأنها صفحة من كتاب تاريخ المملكة تطوى مع انتهاء الأزمة، بل يتوجب أن تكون درسا مهما، للأردنيين جميعهم؛ حكومة وشعبا، وهو كيف أن أطول إضراب في عمر المملكة مرّ بكل هذا الألق والفعل الحضاري، ولم تلجأ السلطة إلى ما تفعله غيرها من عنف، وكيف، أيضا، تعامل المضربون برقي مع بلدهم وشعبهم.