سماوي يستعيد رائحة بلاد الشام ويحنّ إلى عبق الأسلاف وتجلياتهم

سماوي يستعيد رائحة بلاد الشام ويحنّ إلى عبق الأسلاف وتجلياتهم
سماوي يستعيد رائحة بلاد الشام ويحنّ إلى عبق الأسلاف وتجلياتهم

عمان - الغد - طاف الشاعر جريس سماوي بجمهوره على أجنحة قصيدته المنتمية الى مناخ المكان الشآمي بكل ما فيه من فضاءات رعوية وزراعية ومدينية مستحضرا برفقة الفنان فراس حتر وعبر آلة الكمان رؤية شعرية موسيقية حملت عبق الاسلاف واشتعالاتهم وبوح جرارهم وتجلياتهم المرتبطة بالزمان وبالمكان.

اضافة اعلان

وقرأ سماوي في الأمسية التي نظمتها الدائرة الثقافية في أمانة عمان بالتعاون مع جمعية سكان جبل عمان أول من أمس برعاية أمين عمان المهندس عمر المعاني والتي حضرها  نائب مدير المدينة للشؤون الثقافية المهندس هيثم جوينات وقدم فيها الشاعر زياد العناني اضاءة نقدية حول تجربة سماوي وأدارها المدير التنفيذي للثقافة سامر خير جملة قصائد من ديوانه "زلة أخرى للحكمة" مس فيها ذؤابة الروح وضجيج الجسد كما هو الحال في قصيدة "ماشا واغنية الغجري "وقصيدة "كلام" التي قال فيها:

" مُرِّي على الكلمات واختاري

كلاماً ناعماً كالغيم،

مُري ..

هدّي على نبعي كحلم يمامةٍ

وتطهري برهافة العطرِ

وتهجدي في ظل روحي

واغمري بالماءِ

أجراسي وسري

مُرِّي على الكلمات ... مُرّي

ما أجمل الدنيا إذا ناغيتها

بجناحك البري

ودنوت من أهدابها ولثمتها

وأضأت في جنباتها فانوسك السحري

وعدوت مثل المهرة الأبهى

على بستانها النهري

وجلوت أحلام المساء وغيمها

بعباءة البحرِ

مُرّي على الكلمات ... مُرّي".

واستعاد سماوي الذي هاجر مبكرا إلى الولايات المتحدة ودرس الأدب الإنجليزي والفلسفة وفن الاتصالات الإعلامية، ثم عاد الى الأردن وعمل في التلفزيون الأردني ثم شغل بعد ذلك منصب المديرا العام لمهرجان جرش للثقافة والفنون حتى العام 2006 حيث تفرغ لوظيفته كأمين عام لوزارة الثقافة، رائحة الأردن المليئة بكروم العنب والزيتون وروح  الفلاح الاردني الخفي الضارب في عمق التاريخ  وكذلك قصة الخيانات والوعد التي قسمها الى خيانة الفضة وخيانة الورد وخيانة النهر، وتوغل في رسم في صورة شعرية مضاءة بالتفاصيل المشهدية التي لاذت  بمرجعية الشاعر المكونة من المراوحة بين التراثي والحداثي واستثمار الموروث المتمثل في شعر الترانيم والتراتيل والموسيقى المنتقاة التي تعيد الروح إلى أجسادنا وأرواحنا كما هو الحال في قصيدة " رحلوا إلى الماضي بدوني " التي قال فيها:

"ماذا يعد أبي

لضيوفنا الآتين؟

ماذا يعد أي لأعدائي؟

ماذا أعد أنا

أقم القرى أبتي

ناد على الميسور

وانفخ نارك ..

الضيفان جوعى

جوعى الى جسدي

ودمي القرى

وجراحي الميسور يا أبتي

ونارك في ضلوعي.

لا ترسموني أيها الآتون

من بنك السماسرة الدمى

رسمي عصي

لا ترسموا .. جوعي

وأرح خرائطك الغبية يا مهندس

إن روحي

روح فلاح خفي".

ونوع الشاعر سماوي في قراءاته التي اتجهت الى رسم عدة مضامين سواء تلك التي راحت تتلو صلاة الجسد وتنام بين أركانه أو التي تركت الربابة عند سرير الحكايات في الحقل، واشتعلت بالكلام الناعم كالغيم والطقوس لكي تستدرج نحل الخرافة والمرأة وتصور القبلة في قصيدة جاء فيها:

" دائرتان من ضوء

ترتعشان

تسيلان

مثل نبيذ عتيق

 وتختلجان

هما اجمل الهندسة

وفمان

يقرآنكتاب الغوايات

من دونما مدرسة".

كما قرأ سماوي قصيدة بعنوان "باب الماء" اتجه فيها الى البحر وأسراره وكيف رتب للمبحرين طريقا وللعاشقات هدايا من اللؤلؤ الغامض الغر والرغبة لينتقل بعدها الى قصيدة" السابحة" التي قال فيها:

بها يبدأ الماء

خافتا وبهيا

بها يتدرج نحو الانوثة

مستسلما طائعا ونديا

لها ينحني

ينطوي تحتها ينثني

لينا وطريا

كحرير العروس يشف

كروح المحب يرق

كأنفاسه وهو يهمس والماء صعب عصي

له روح مهر عنيد".

وكان الشاعر زياد العناني قدم اضاءة نقدية بين فيها أن قصيدة سماوي تحمل جملة من الموروثات التي يتكون منها صوت بلاد الشام بطياته الرعوية والزراعية والمدينية ايضا.

وقال إن من يقرأ قصيدة سماوي سيشم ويرى ايضا هذه البيئة بقمحها ونبيذها ويطل على توترها الوجودي وقوة حضوره الحضاري ايضا.

ولفت العناني الى الخصائص التي تتمتع بها قصيدة سماوي رائيا انها: "قصيدة ذات نسغٍ عربيٍّ عروبي لم يغرقْ في المدحِ أو التهليل ولم يلجأ الى فزعة المناسبة".

وأكد العناني ان سماوي صاغ قصيدة تتمتع بقوة المعنى الجليل لما تحمله من وجدان جمعي لمنطقة بلاد الشام بكل اطيافها، خصوصا بعد غياب هذا الوجدان بحكم الاستعمار والنزعة القطرية التي مزقت المنطقة ليضع بيننا قصيدة مسكونة بعبق الاسلاف لأنها استغرقت كثيرا في جغرفة المكان الكلي وانتجت قيمة جمالية لا تضمحل ولا تغيب عن المشهد الشعري.

وأشارالعناني الى تفنن سماوي في تقنية السرد داخل القصيدة وكيف تخطى هذه التقنية في بعض القصائد الى مسرحة الشعر في بناء هندسي تتفاعل فيه الموسيقى مع الرؤية البصرية مع النطق الأخاذ في لوحة واحدة تحفر وجودها في الذهن وفي الصخر.

وخلص العناني بالإشارة الى تمكن سماوي من الربط ما بين البعد المادي والبعد الصوفي خصوصا في الجانب الذي يخص المرأة التي يحتفي بها عاليا ويراها مقدسة وتسكن في كل مكان من أبعاد قصيدته الجمالية.