"سمر حزيران"!

يوماً ما كانَ الحزنُ امرأةً، جلست على عتبة البلاد التي قضَمَت الحربُ أطرافَها في "الأيام الستة"، جرحت صوتَها بمواويل الصبر، التي حاكتها بـ "وعودٍ من العاصفة"، غفرت انكسار "عبد الناصر" وهو يتنحَّى "تماما ونهائيا"، وما حرَّكت مؤشِّرَ المذياع الخشبيِّ عن "صوت العرب"، أدمنتْ سماع الأنباء من الأغوار، بقلب مغروق بالإيمان أنَّ نكستها ليست إلا "حفلة سمر من أجل 5 حزيران"! اضافة اعلان
لم تخلع الأسودَ الفادح فـ"هوامش دفتر النكسة" اتسعت، حتى صارت أكبر من المتن الذي تمَّ اختصاره بحفلة أحيَتْها "سهير زكي" بخصر شديد الميلان جهة "عبد الحكيم عامر". لم تشغل بالها في تفسير ما حدث، حتى الدعاء بـ "الجزاء السيئ" على الذي كان السبب، ما عاد مجديا، فقد صدرت أوامر الانسحاب تباعا من مختلف الجبهات. عاد الجنودُ إلى قواعدهم مصدقين "لاءات قمة الخرطوم"، ويمين "عبد الحليم حافظ" بألا تغيب "الشمس العربية" وهي تضيءُ الليلَ لـ "حرب الاستنزاف"!
لم تزغرد مع النساء اللواتي رقصنَ بكلِّ إيقاعات التراث الشعبيِّ المتعدِّدِة على خطى النصر في أكتوبر "الرمضانيِّ"، فما صدقتْ وعْدَ الصعيديِّ ذي المزاج الحادِّ، رأته في المنام "في القدس يمسحُ الأقدامَ"، وما كذَّبَ "السادات" رؤياها، فعادَ إلى مصر "عصبيا يصيحُ كالديك" حتى انتهى إلى موته السينمائي المتقن، تاركا باب "الانفتاح" على وسعه، حتى تقلصَ الوطنُ إلى "آر بي جي" على كتف رجل أشعث مجرَّدا إلا من الحلم في "بيروت"!
عقدان من الحروب الأهلية جرت على طرفِ ثوبها الأسود، فأكَلَ الأخُ لحْمَ أخيه حيا وميِّتا، وانشغلَ العربُ في مؤتمراتٍ يجري فيها خصام، وأخرى لصلح أهلي لا يدومُ حتى جفاف الحبر، وانطلقَ الرصاصُ إلى الخلف، وحدها جبهة "العدوِّ" كانت مستريحة، وتصلحُ لتنمية هواية الصيد لدى مجنَّدي "دولة الاحتلال"، فقد كسَرَ "المهرولون" لاءاتهم الشهيرة.. ففاوضوا، وصالحوا، واعترفوا؛ وحدها "إسرائيل" كانت تجيبُ بـ "لعم"!
عادوا إلى بعض ضئيل من فلسطين عبر "الجسر" و"المعبر" بقنوات شديدة الاختصار، وفقَ ما كان ممكنا الاتفاق عليه في ممر سريٍّ ضيِّق بـ "أوسلو"؛ في بعض فلسطين كان هناك سجاد أحمرَ، وطقوس سيادة تلفزيونية، و21 طلقة لموفد الدول المانحة. كان هناك حلم بدولة شعبها في الشتات، يُكرِّرُ سؤالَ شاعرٍ عاتبٍ: "لماذا تركتَ الحصانَ وحيدا؟!"
"سمر حزيران" طال، وما انفضَّ السامرون؛ ففي كلِّ 5 حزيران تتجدَّدُ الحفلة، عندما كان الحزنُ يوما امرأةً جلست على عتبة البلاد التي قضَمَت الحربُ أطرافَها..، قامت حروب كثيرة في سبيلها، وحدَثَت انتصارات أقرَّها فقط مذيعُ النشرة الرسمية، وقال إنَّ العلم الوطنيَّ سيرتفعُ قريبا هناك، وارتفعَ عددُ الشهداءِ إلى رقمٍ قياسي، وما لاحت من قريب أو بعيدٍ "أقواس النصر"!
اليوم لا "سمر في حزيران"، ستستعدُّ الجبهاتُ الصامتة لـ"بروفة" يوم العودة، سيمشي الناس إلى كف المرأة التي لها شكلُ الحزن، تمدُّها من خلف الأسلاك الشائكة والمكهربة، تلوِّحُ للذين نموا بعيدا عن عباءتها السوداء، أولئك الذين بشَّر بهم "نزار قباني" رغم سوداوية الليل الأول بعد النكسة، وأقسم أنهم الجيلُ الذي "سيهزمُ الهزيمة"!

[email protected]